غضبا ، وأمر بقطع أذناب الخيل الّتي أهديت وطردها ، وقتل الرّسل ، لكون التّتار لم يتقدّم لهم سابقة بتملّك ، إنّما هم بادية الصّين. فلمّا سمع جنكزخان وصاحبه كشلوخان تحالفا على التّعاضد ، وأظهرا الخلاف للخان ، وأتتهما أمم كثيرة من التّتار. وعلم الخان قوّتهم وشرّهم ، فأرسل يؤانسهم ، ويظهر مع ذلك أنّه ينذرهم ويهدّدهم ، فلم يغن ذلك شيئا ، ثمّ قصدهم وقصدوه ، فوقع بينهم ملحمة عظيمة ، فكسروا الخان الأعظم أقبح كسرة ، ونجا بنفسه ، وملك جنكزخان بلاده واستفحل شرّه. فراسله الخان بالمسالمة ، ورضي بما بقي في يده من الممالك ، فسالموه. واستمرّ الملك بين جنكزخان وكشلوخان على المشاركة. ثمّ سارا إلى بلاد ساقون من نواحي الصّين فملكاها. فمات كشلوخان ، فقام مقامه ولده ، فاستضعفه جنكزخان ووقعت الوحشة ، فطلب ابن كشلوخان قبالق والمالق ، فصالحه ملكها ممدود خان بن أرسلان وملك كاشغر من التّرك ، وقوي ، وبعد صيته ، فجرّد لحربه جنكزخان ولده دوشي خان في عشرين ألفا ، فحاربه وظفر به دوشي خان. واستقلّ جنكزخان ، ودانت له التّتار وانقادت له ، ووضع لهم قواعد يرجعون إليها ، فالتزموا بها وأوجبوها على نفوسهم ، بحيث إنّه من خالف شيئا منها فقد ضلّ ووجب قتله. واعتقدوا فيه وتألّهوه ، وبالغوا في طاعته والتزام ياسته (١). ثمّ وقع مصافّ في بلاد التّرك بين دوشي خان والسّلطان خوارزم شاه محمّد ، فانهزم دوشي خان بعد أن أنكى في جيش محمّد. وعاد محمّد إلى بلاد سمرقند وهو في همّ وفكر لما رأى من صبر التّتار وقتالهم وكثرتهم. وستأتي أخبارهم فيما بعد عند ظهورهم على خوارزم شاه ، وأخذهم ممالكه سنة سبع عشرة.
__________________
(١) الياسة : قانون التتار وشريعتهم.