المقدس كنّا نتردّد مع أخي نسمع درس القاضي ابن عصرون في الخلاف ثمّ إننا انقطعنا ، فلقي القاضي لأخي يوما ، فقال : لم انقطعت عن الاشتغال؟ فقال له أخي : قالوا : إنّك أشعريّ. فقال : ما أنا أشعريّ ، ولكن لو اشتغلت عليّ سنة ما كان أحد يكون مثلك ، أو قال : كنت تصير إماما.
قال الضّياء : وكان رحمهالله يحفظ الخرقيّ ويكتبه من حفظه. وكان قد جمع الله له معرفة الفقه والفرائض والنّحو ، مع الزّهد والعمل وقضاء حوائج النّاس. وكان يحمل همّ الأهل والأصحاب ، ومن سافر منهم يتفقّد أهاليهم ، ويدعو للمسافرين ، ويقوم بمصالح النّاس ، وكان النّاس يأتون إليه في الخصومات والقضايا ، فيصلح بينهم ، ويتفقّد الأشياء النّافعة كالنّهر والمصانع والسّقاية ، وكانت له هيبة في القلوب.
وسألت عنه الإمام موفّق الدّين ، فقال فيه : أخي وشيخنا ربّانا وعلّمنا وحرص علينا ، وكان للجماعة كوالدهم يحرص عليهم ، ويقوم بمصالحهم ، ومن غاب عن أهله قام هو بهم ، وهو الّذي هاجر بنا ، وهو الّذي سفّرنا إلى بغداد ، وهو الّذي كان يقوم في بناء الدّير ، وحين رجعنا من بغداد ، زوّجنا ، وبنى لنا دورنا الخارجة عن الدّير. وكان مسارعا إلى الخروج في الغزوات قلّ ما يتخلّف عن غزاة.
سمعت ولده أبا محمد عبد الله يقول : إنّ الشيخ جاءته امرأة ، فشكت إليه أنّ أخاها حبس ، وأوذي ، فسقط مغشيّا عليه. ولمّا جرى للحافظ عبد الغنيّ مع أهل البدع وفعلوا ما فعلوا ، جاءه الخبر ، فخرّ مغشيّا عليه ، فلم يفق إلّا بعد ساعة ، وذلك لرقّة قلبه وشدّة اهتمامه بالدّين وأهله.
وسمعت ولده يقول : إنّه كان يؤثر بما عنده لأقاربه وغيرهم ، وكان كثيرا ما يتصدّق ببعض ثيابه ، ويبقى معوزا ، ويكون بجبّة في الشّتاء بغير ثوب من تحتها يتصدّق بالتّحتانيّ ، وكثيرا من وقته بلا سراويل. وكانت عمامته قطعة بطانة ، فإذا احتاج أحد إلى خرقة أو مات صغير قطع منها له ، ويلبس الخشن ، وينام على الحصير ، وربّما تصدّق بالشّيء وأهله محتاجون إليه أكثر ممّن أخذه.