تطبيـقها علـى القضـايـا الشرعيـة لا يمكن أن يكـون مثـمـراً ، لأن الشريعـة ـ ببساطة ـ لا يمكن قياسها بالحسيّات ، وهذا الخطأ الذي وقع فيه الأمين الاسترآبادي كلّفه الكثير فيما يخصّ الانحراف عن المنهج العلمي المتّفق عليه بين فقهاء الطائفة ، فقد اتفق فقهاء المذهب حتّى تلك الفترة ـ وعلى نطاق أوّلي مبسّط ـ على أنَّ الملازمة بين حكم العقل بحسن شيء وحكم الشرع بوجوبه تتطابق مع توجّهات أئمّة أهل بيت النبوّة عليهمالسلام ، خصوصاً وأنّ الروايات الدّالة على ممارسة الاستدلال الفقهي ـ بشكله الأوّلي ـ بين الأصحاب في عصر النصّ تؤيّد ذلك ، إلاّ أنّ الإخباريّين لم يلتفتوا إلى ذلك وأصرّوا على موقفهم الرافض لاستخدام الدليل العقلي في عملية الاستنباط.
مناقشة مباني المدرسة الأخبارية :
ويمكننا مناقشة آراء المدرسة الأخبارية عبر ترتيب النقاط التالية :
١ ـ إنّ امتناع دخول بعض القواعد المنطقية في جميع موارد الأقيسة لا يعني ـ بالضـرورة ـ إلغاء جميع الأدلّة العقلية ، بل لا ضيـر أصلاً في إهمال تلك القواعد المنطقية السلبية الاستثنائية ، فهي لا تتعدّى كونها إدراكات عقلية ناقصة لا تصلح كوسائل إثبات في الاستنباطات الشرعية ، ولكنّنا لا نستطيع مثلاً إنكار قاعدة (قبح العقاب بلا بيان) العقلية التي تؤدّي إلى نتيجة شرعية وهي عدم لزوم الاحتياط ، ولا نستطيع إنكار إيماننا بقاعدة (الاشتغال) العقلية التي تستلزم البراءة اليقينية التي تؤدّي إلى نتيجة أو وظيفة شرعية وهي الاحتياط في مجال العلم الإجمالي ، ولا نستطيع إنكار الملازمات العقلية كالملازمة بين وجوب الشيء ووجوب مقدّمته أو حرمة ضدّه ، بدعوى عدم وجود قاعدة منطقية كلّية تنطبق على جميع الأقيسة!