سنة ست وثمانين وخمسمائة
استهلّت والفرنج محدقون بعكّا محاصرون لها ، والسّلطان بعساكره في مقابلتهم ، والقتال عمّال ، فتارة يظهر هؤلاء ، وتارة يظهر هؤلاء.
وقدمت العساكر البعيدة مددا للسّلطان صلاح الدّين ، فقدم صاحب حمص أسد الدّين ، وصاحب شيزر سابق الدّين عثمان ابن الدّاية ، وعزّ الدّين ابن المقدّم ، وغيرهم (١).
ثمّ قدمت عساكر الشّرق مع مظفّر الدّين صاحب إربل ، ومع عماد الدّين ابن صاحب سنجار ، ومعزّ الدّين سنجر شاه بن غازي. واشتدّ الأمر ، وجدّت الفرنج في الحصار ، وأتتهم الأزواد من الجزائر البعيدة حتّى ملئوا البرّ والبحر فتوفّي صاحب إربل زين الدّين يوسف بن زين الدّين عليّ كوجك ، ففوّض السلطان مملكة إربل من حينئذ إلى أخيه مظفّر الدّين كوكبرى بن عليّ.
ودام الحصار والنّزال على عكّا حتّى فرغت السّنة.
ومن كتاب فاضليّ إلى بغداد : «ومن خبر الفرنج أنّهم الآن على عكّا يمدّهم البحر بمراكب أكثر عدّة من أمواجه ، ويخرج للمسلمين أمرّ من أجاجه ، وقد تعاضدت ملوك الكفر على أن ينهضوا إليهم من كلّ فرقة طائفة ، ويرسلوا إليهم من كلّ سلاح شوكة ، فإذا قتل المسلمون واحدا في البرّ بعثوا ألفا عوضه في البحر ، فالزّرع أكثر من الحصاد ، والثّمرة أنمى من الجذاذ. وهذا العدوّ قد زرّ عليه من الخنادق دروعا متينة ، واستجنّ من الجنوبات بحصون حصينة ، فصار معجزا ، وممتنعا حاسرا ، ومدرّعا ، ومواصلا ،
__________________
(١) تاريخ ابن الفرات ، مجلّد ٤ ج ١ / ٢٠٩ ، مفرّج الكروب ٢ / ٣١٣.