الدّين ، وحصل له قولنج كان يعتاده. فأشار الأمراء عليه بالانتقال من المنزلة ، وترك مضايقة الفرنج ، وأن يبعد عنهم ، فإن رحلوا فقد كفينا شرّهم ، وإن أقاموا عدنا ، وأيضا فلو وقع إرجاف ، يعني بوفاتك ، لهلك النّاس ، فرحل إلى الخرّوبة (١) في رابع عشر رمضان.
[محاصرة الفرنج عكا]
وأخذت الفرنج في محاصرة عكّا ، وعملوا عليها الخندق ، وعملوا سورا من تراب الخندق وجاءوا بما لم يكن في الحساب.
واشتغل صلاح الدّين بمرضه ، وتمكّن الفرنج وعملوا ما أرادوا. وكان من بعكّا يخرجون إليهم كلّ يوم ويقاتلونهم.
وفي نصف شوّال وصل العادل بالمصريّين ، فقويت النّفوس ، وأحضر معه من آلات الحصار شيئا كثيرا (٢). وجمع صلاح الدّين من الرّجّالة خلائق ، وعزم على الزّحف.
وجاءه الأصطول المصريّ عليه الأمير لؤلؤ ، وكان شهما ، شجاعا ، خبيرا بالبحر ، ميمون النّقيبة ، فوقع على بطسة للفرنج فأخذها ، وحوّل ما فيها إلى عكّا فسكنت نفوس أهلها وقوي جنانهم (٣).
قال (٤) : ودخل صفر من سنة ستّ وثمانين ، فسمع الفرنج أنّ صلاح الدّين قد سار يتصيّد ، ورأوا اليزك الّذي عليهم قليلا (٥) ، فخرجوا من خندقهم على اليزك العصر ، فحمي القتال إلى اللّيل وقتل خلق من الفريقين ، وعاد الفرنج إلى سورهم.
وجاءت السّلطان الأمداد ، وذهب الشّتاء فتقدّم من الخرّوبة نحو عكّا ،
__________________
(١) الخرّوبة : حصن بسواحل بحر الشام مشرف على عكا. (معجم البلدان ٢ / ٣٦٢).
(٢) مشارع الأشواق ٢ / ٩٤٠.
(٣) الكامل ١٢ / ٤١.
(٤) في الكامل ١٢ / ٤٤.
(٥) في الأصل : «قليل» وهو غلط نحوي.