منهم ، فضرب رأسه بسكّين ، فلو لا المغفر الزّرد ، وكان تحت القلنسوة ، لقتله. فأمسك السّلطان يد الباطنيّ بيديه ، فبقي يضرب في عنقه ضربا ضعيفا ، والزّرد يمنع ، فأدرك السّلطان مملوكه يازكوج الأمير ، فأمسك السّكين فجرحته ، وما سيّبها الباطنيّ حتّى بضّعوه. ووثب آخر ، فوثب عليه الأمير داود بن منكلان ، فجرحه الباطنيّ الآخر في جنبه فمات وقتل الباطنيّ ، ثمّ جاء باطنيّ ثالث ، فماسكه الأمير عليّ بن أبي الفوارس ، فضمّه تحت إبطه ، وبقيت يد الباطنيّ من ورائه (١) لا يقدر على الضّرب بالسّكين ، ونادى : اقتلوني معه ، فقد قتلني وأذهب قوّتي. فطعنه ناصر الدّين محمد بن شيركوه فقتله ، وانهزم آخر فقطّعوه ، وركب السّلطان إلى مخيّمه ودمه سائل على خدّه ، واحتجب في بيت خشب ، وعرض الجند ، فمن أنكره أبعده. ثمّ تسلّم القلعة بالأمان.
وفي سنة ثلاث كسرته الفرنج على الرملة ، وفرّ عند ما بقي في نفر يسير.
وفي سنة خمس وسبعين كسرهم ، وأسر ملوكهم وأبطالهم.
وفي سنة ستّ أمر ببناء قلعة القاهرة على جبل المقطّم.
وفي سنة ثمان عبر الفرات ، وفتح حرّان ، وسروج ، والرّها ، والرّقّة ، والبيرة ، وسنجار ، ونصيبين ، وآمد ، وحاصر الموصل ، وملك حلب ، وعوّض عنها سنجار لصاحبها عماد الدّين زنكي الّذي بنى العماديّة بالموصل.
ثمّ إنّ صلاح الدّين حاصر الموصل ثانيا وثالثا ، ثمّ هادنه صاحبها عزّ الدّين مسعود ، ودخل في طاعته. ثمّ تسلّم صلاح الدّين البوازيج ، وشهرزور ، وأنزل أخاه الملك العادل عن قلعة حلب ، وسلّمها لولده الملك الظّاهر ، وعمره إحدى عشر سنة. وسيّر العادل إلى ديار مصر نائبا عنه ، وكان بها ابن أخيه تقيّ الدّين عمر بن شاهنشاه ، فغضب حيث عزله ، وأراد أن يتوجّه إلى المغرب ، وكان شهما شجاعا ، فخاف صلاح الدّين من مغبّة أمره ، فلاطفه بكلّ وجه حتّى رجع مغضبا وقال : أنا أفتح بسيفي ما أستغني به عمّا في أيديكم. وتوجّه إلى خلاط ،
__________________
(١) في الأصل : «من وراءه».