تفسير الدّعوة النّزاريّة
وكانت في حدود الثّمانين وأربعمائة فيما أحسب. وهي نسبة إلى نزار بن المستنصر بالله معدّ بن الظّاهر عليّ بن الحاكم العبيديّ.
وكان نزار قد بايع له أبوه ، وبثّ له الدّعاة في البلاد بذلك ، منهم صبّاح صاحب الدّعوة. وكان صبّاح ذا سمت ، وذلق (١) ، وإظهار نسك ، وله أتباع من جنسه ، فدخل الشّام والسّواحل ، فلم يتمّ له مراد ، فتوجّه إلى بلاد العجم ، وتكلّم مع أهل الجبال والغتم (٢) الجهلة من تلك الأراضي ، فقصد قلعة ألموت (٣) ، وهي قلعة حصينة ، أهلها ضعاف العقول ، فقراء ، وفيهم قوّة وشجاعة. فقال لهم : نحن قوم زهّاد نعبد الله في هذا الجبل ، ونشتري منكم نصف القلعة بسبعة آلاف دينار. فباعوه إيّاها ، وأقام بها. فلمّا قوي استولى على الجميع. وبلغت عدّة أصحابه ثلاثمائة ونيّفا.
واتّصل بملك تلك النّاحية : إنّ هاهنا قوما يفسدون عقائد النّاس ، وهم في تزيّد ، ونخاف من غائلتهم. فنهد إليهم ، ونزل عليهم ، وأقبل على سكره ولذّاته. فقال رجل من قوم صبّاح اسمه عليّ البعقوبيّ (٤) : أيّ شيء يكون لي عندكم إن أنا كفيتكم مئونة هذا العدوّ؟ قالوا : يكون لك عندنا ذكران. أي نذكرك في تسابيحنا.
قال : رضيت. فأمرهم بالنّزول من القلعة ليلا ، وقسّمهم أرباعا في نواحي العسكر ، ورتّب معهم طبولا وقال : إذا سمعتم الصّياح فاضربوا الطّبول ، ثمّ انتهز عليّ البعقوبيّ الفرصة من غرّة الملك ، وهجم عليه فقتله ، وصاح أصحابه ، فقتل الخواصّ عليّا ، وضرب أولئك بالطّبول ، فأرجفوا
__________________
(١) في الأصل : «دلق» بالدال المهملة ، والصحيح ما أثبتناه.
(٢) الغتم : بضم الغين المعجمة والتاء المثنّاة الساكنة ، الذين لا يفصحون شيئا.
(٣) انظر عن (الموت) في : آثار البلاد وأخبار العباد ، للقزويني ٣٠١ ، ٣٠٢.
(٤) هكذا «البعقوبي» بالباء الموحّدة في الموضعين. وفي سير أعلام النبلاء ٢١ / ١٨٤. «اليعقوبي» بالياء المثنّاة ، والله أعلم.