وسمع بها الكثير ، وتفقّه. قرأت أخباره بخطّ الحافظ الضّياء قال : اشتغل بالفقه ، والخلاف ، والفرائض ، والنّحو ، وصار إماما ، عالما ، ذكيّا ، فطنا ، فصيحا ، مليح الإيراد ، حتّى إنّني سمعت بعض النّاس يقول عن بعض الفقهاء إنّه قال : ما اعترض السّيف على مستدلّ إلّا ثلم دليله. وكان يتكلّم في المسألة غير مستعجل بكلام فصيح من غير توقّف ولا تتعتع. وكان رحمهالله حسن الخلق والخلق ، وكان أنكر منكرا ببغداد ، فضربه الّذي أنكر عليه وكسر ثنيّته ، ثمّ إنّه مكّن من ذلك الرجل ، فلم يقتصّ منه.
وسافرت معه إلى بيت المقدس ، فرأيت منه من ورعه وحسن خلقه ما تعجّبت منه.
قال : وشهدنا غزاة مع صلاح الدّين ، فجاء ثلاثة فقهاء فدخلوا خيمة أصحابنا ، فشرعوا في المناظرة ، وكان الشّيخ الموفّق والبهاء حاضرين ، فارتفع كلام أولئك الفقهاء ، ولم يكن السّيف حاضرا ، ثمّ حضر فشرع في المناظرة ، فما كان بأسرع من أن انقطعوا من كلامه.
وسمعت البهاء عبد الرّحمن يقول مرّة : كان أبو القاسم عبد الله بن عمر فيه من الذّكاء والفطنة ما يدهش أهل بغداد. كان يحفظ درس الشّيخ إذا ألقي عليه من مرّة أو مرّتين ، وكنت أنا أتعب حتّى أحفظه.
وكان ورعا ، يتعلّم من العماد ويسلك طريقه. وكان مبرّزا في علم الخلاف.
واشتغل بالنّحو على الشّيخ أبي البقاء ، فحفظ كتاب «الإيضاح» لأبي عليّ الفارسيّ. واشتغل بعلم العروض وصنّف فيه تصانيف (١).
قال الضّياء : توفّي بحرّان في شوّال. ورثاه سليمان بن النّجيب بقوله :
على مثل عبد الله يفترض الحزن |
|
وتسفح آماق ولم يغتمض جفن |
عليه بكى الدّين الحنيفيّ والتّقى |
|
كما قد بكاه الفقه والذّهن والحسن |
__________________
(١) في الأصل : «تصانيفا».