جلب ما ينفعه ودفع
ما يضره ، ثم هذا الحب والبغض يحصل فيه شيئا فشيئا بحسب حاجته ، ثم قد يعرض لكثير
من الأبدان ما يفسد ما ولد عليه من الطبيعة السليمة والعادة الصحيحة ، فهكذا ما
ولد عليه من الفطرة ، ولهذا شبّهت الفطرة باللبن ، بل كانت إياه في التأويل للرؤيا
، ولما عرض على النبي صلىاللهعليهوسلم ليلة الإسراء اللبن والخمر ، أخذ اللبن ، فقيل له : أخذت
الفطرة ، ولو أخذت الخمر ، لغوت أمّتك . فمناسبة اللبن لبدنه وصلاحه عليه دون غيره ، لمناسبة
الفطرة لقلبه وصلاحه بها دون غيرها.
فصل
قال ابن عبد البر
: وقالت طائفة : المراد بالفطرة في هذا الحديث الخلقة التي خلق عليها المولود ، من
المعرفة بربه ، فكأنه قال : كل مولود يولد على خلقة ، يعرف بها ربّه ، إذا بلغ
مبلغ المعرفة. يريد : أنه خلق خلقة مخالفة لخلقة البهائم التي لا تصل بخلقها إلى
معرفة ربها. قالوا : والفاطر هو الخالق. وأنكرت أن يكون المولود يفطر على إيمان أو
كفر.
قال شيخنا : صاحب
هذا القول إن أراد بالفطرة التمكن من المعرفة والقدرة عليها ، فهذا ضعيف ، فإن
مجرد القدرة على ذلك ، لا يقتضي أن يكون حنيفا ، ولا أن يكون على الملة ، ولا
يحتاج أن يذكر تغيير أبويه لفطرته ، حين يسأل عمن مات صغيرا ، ولأن القدرة في
الكبير أكمل منها في الصغير ، وهو لما نهاهم عن قتل الصبيان ، فقالوا : إنهم أولاد
المشركين!
__________________