(فَلَمَّا قَضَيْنا عَلَيْهِ الْمَوْتَ (١٤)) [سبأ] وقوله : (وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ (٦٩)) [الزمر] وشرعي ديني كقوله : (وَقَضى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ (٢٣)) [الإسراء] أي : أمر وشرع ، ولو كان قضاء كونيا لما عبد غير الله.
والحكم أيضا نوعان : فالكوني كقوله : (قالَ رَبِّ احْكُمْ بِالْحَقِّ (١١٢)) [الأنبياء] أي : افعل ما تنصر به عبادك وتخذل به أعداءك والديني كقوله : (ذلِكُمْ حُكْمُ اللهِ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ (١٠)) [الممتحنة] وقوله : (إِنَّ اللهَ يَحْكُمُ ما يُرِيدُ (١)) [المائدة] وقد يرد بالمعنيين معا كقوله : (وَلا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَداً (٢٦)) [الكهف] فهذا يتناول حكمه الكوني وحكمه الشرعي.
والإرادة أيضا نوعان : فالكونية كقوله تعالى : (فَعَّالٌ لِما يُرِيدُ (١٦)) [البروج] وقوله : (وَإِذا أَرَدْنا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً (١٦)) [الإسراء] وقوله : (إِنْ كانَ اللهُ يُرِيدُ أَنْ يُغْوِيَكُمْ (٣٤)) [هود] وقوله : (وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ (٥)) [القصص] والدينية كقوله : (يُرِيدُ اللهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ (١٨٥)) [البقرة] وقوله : (وَاللهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ (٢٧)) [النساء].
فلو كانت هذه الإرادة كونية ، لما حصل العسر لأحد منا ، ولو وقعت التوبة من جميع المكلفين ، وبهذا التفصيل يزول الاشتباه في مسألة الأمر والإرادة ، هل هما متلازمان أم لا.
فقالت القدرية : الأمر يستلزم الإرادة ، واحتجوا بحجج ، لا تندفع ، وقالت المثبتة : الأمر لا يستلزم الإرادة ، واحتجوا بحجج لا تندفع.
والصواب أن الأمر يستلزم الإرادة الدينية ، ولا يستلزم الإرادة الكونية ، فإنه لا يأمر إلا بما يريده شرعا ودينا ، وقد يأمر بما لا يريده كونا وقدرا ، كإيمان من أمره ، ولم يوفّقه للإيمان مرادا له دينا لا كونا ، وكذلك أمر خليله بذبح ابنه ، ولم يرده كونا وقدرا ، وأمر رسوله بخمسين صلاة ، ولم يرد ذلك