الكراهة على غير الكراهة الدينية الأمرية ، لأنه أمرهم بالجهاد وقال : (كُلُّ ذلِكَ كانَ سَيِّئُهُ عِنْدَ رَبِّكَ مَكْرُوهاً (٣٨)) [الإسراء].
فأخبر أنه يكره ويبغض ويمقت ويسخط ويعادي ويذم ويلعن ، ومحال أنه يحب ذلك ويرضى به ، وهو سبحانه يكره ويتقدّس عن محبة ذلك وعن الرضا به ، بل لا يليق ذلك بعبده ، فإنه نقص وعيب في المخلوق أن يحبّ الفساد والشر والظلم والبغي والكفر ويرضاه ، فكيف يجوز نسبة ذلك إلى الله تبارك وتعالى ، وهذا الأصل من أعظم ما غلط فيه كثير من مثبتي القدر ، وغلطهم فيه يوازن غلط النفاة في إنكار القدر ، أو هو أقبح منه ، وبه تسلط عليهم النفاة وتمادوا على قبح قولهم ، وأعظموا الشناعة عليهم به ، فهؤلاء قالوا : يحبّ الكفر والفسوق والعصيان والظلم والبغي والفساد ، وأولئك قالوا : لا يدخل تحت مشيئته وقدرته وخلقه ، وأولئك قالوا : لا يكون في ملكه إلا ما يحبه ويرضاه ، وهؤلاء قالوا : يكون في ملكه ما لا يشاء ، ويشاء ما لا يكون ، فسبحان الله وتعالى عما يقول الفريقان علوّا كبيرا ، والحمد لله الذي هدانا لما أرسل به رسوله ، وأنزل به كتابه ، وفطر عليه عباده ، وبرّ أنا من بدع هؤلاء وهؤلاء ، فله الحمد والمنّة والفضل والنعمة والثناء الحسن ، ونسأله التوفيق لما يحبه ويرضاه ، وأن يجنبنا مضلات البدع والفتن.