فأجابهم طائفة :
بأنّ لها وجهين ، وجها يرضى بها منه ، وهو إضافتها إلى الله سبحانه خلقا ومشيئة ،
ووجه يسخط منه ، وهو إضافتها إلى العبد فعلا واكتسابا ، وهذا جواب جيد ، لو وفّوا
به ، فإنّ الكسب الذي أثبته كثير منهم ، لا حقيقة له ، إذ هو عندهم مقارنة الفعل
للإرادة والقدرة إيجاد به ، من غير أن يكون لهما تأثير بوجه ما ، وقد تقدم الكلام
في ذلك بما فيه كفاية.
وأجابهم طائفة
أخرى : بأنّا نرضى بالقضاء الذي هو فعل الرب ، ونسخط المقضي الذي هو فعل العبد ،
وهذا جواب جيد ، لو لم يعودوا عليه بالنقض وبالإبطال ، فإنهم قالوا : الفعل غير
المفعول ، فالقضاء عندهم نفس المقضي ، فلو قال الأولون بأن للكسب تأثيرا في إيجاد
الفعل ، وأنه سبب لوجوده. وقال الآخرون : بأن الفعل غير المفعول ، لأصابوا في
الجواب.
وأجابتهم طائفة
أخرى بأن من القضاء ما يؤمر بالرضا به ، ومنه ما ينهى عن الرضا به ، فالقضاء الذي
يحبه الله ويرضاه ، نرضى به ، والذي يبغضه ويسخطه ، لا نرضى به ، وهذا كما أن من
المخلوقات ما يبغضه ويسخطه ، وهو خالقه كالأعيان المسخوطة له ، فهكذا الكلام في
الأفعال والأقوال سواء ، وهذا جواب جيد ، غير أنه يحتاج إلى تمام ، فنقول : الحكم
والقضاء نوعان : ديني ، وكوني.
فالدينيّ يجب
الرضا به ، وهو من لوازم الإسلام. والكونيّ منه ما يجب الرضا به ، كالنّعم التي
يجب شكرها ، ومن تمام شكرها الرضا بها ، ومنه ما لا يجوز الرضا به ، كالمعايب
والذنوب التي يسخطها الله ، وإن كانت بقضائه وقدره ، ومنه ما يستحب الرضا به
كالمصائب ، وفي وجوبه قولان. هذا كله في الرضا بالقضاء الذي هو المقضي ، وأما
القضاء الذي هو وصفه سبحانه وفعله ، كعلمه وكتابه وتقديره ومشيئته ، فالرضا به من
تمام الرضا بالله ربا وإلها ومالكا ومدبرا ، فبهذا التفصيل يتبين الصواب ، ويزول
اللبس في هذه