الثاني عشر : أن العذاب مقصود لغيره لا لنفسه ، وأما الرحمة والإحسان والنعيم فمقصود لنفسه ، فالإحسان والنعيم غاية ، والعذاب والألم وسيلة ، فكيف يقاس أحدهما بالآخر.
الثالث عشر : أنه سبحانه أخبر أنّ رحمته وسعت كلّ شيء ، وأن رحمته سبقت غضبه ، وأنه كتب على نفسه الرحمة ، فلا بد أن تسع رحمته هؤلاء المعذبين ، فلو بقوا في العذاب لا إلى غاية ، لم تسعهم رحمته ، وهذا ظاهر جدا.
فإن قيل : فقد قال سبحانه عقيبها : (فَسَأَكْتُبُها لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ (١٥٦)) [الأعراف] إلى آخر الآية ، يخرج غيرهم منها ، لخروجهم من الوصف الذي يستحق به.
قيل : الرحمة المكتوبة لهؤلاء هي غير الرحمة الواسعة لجميع الخلق ، بل هي رحمة خاصة ، خصّهم بها دون غيرهم ، وكتبها لهم دون من سواهم ، وهم أهل الفلاح الذين لا يعذبون ، بل هم أهل الرحمة والفوز والنعيم. وذكر الخاص بعد العام استطرادا ، وهو كثير في القرآن ، بل قد يستطرد من الخاص إلى العام كقوله : (هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْها زَوْجَها لِيَسْكُنَ إِلَيْها فَلَمَّا تَغَشَّاها حَمَلَتْ حَمْلاً خَفِيفاً فَمَرَّتْ بِهِ فَلَمَّا أَثْقَلَتْ دَعَوَا اللهَ رَبَّهُما لَئِنْ آتَيْتَنا صالِحاً لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ (١٨٩) فَلَمَّا آتاهُما صالِحاً جَعَلا لَهُ شُرَكاءَ فِيما آتاهُما فَتَعالَى اللهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ (١٩٠)) [الأعراف] فهذا استطراد من ذكر الأبوين إلى ذكر الذرية.
ومن الاستطراد قوله : (إِنَّا زَيَّنَّا السَّماءَ الدُّنْيا بِزِينَةٍ الْكَواكِبِ (٦)) [الصافات] (وَجَعَلْناها رُجُوماً لِلشَّياطِينِ (٥)) [الملك] فالتي جعلت رجوما ليست هي التي زيّنت بها السماء ، ولكن استطرد من ذكر النوع إلى نوع آخر ، وأعاد