الحكمة الإلهية إخراجه وظهوره ، فلا بد إذا من سبب يظهر ذلك ، وكان إبليس محكّا يميز به الطيب من الخبيث ، كما جعل أنبياءه ورسله محكا لذلك التمييز. قال تعالى : (ما كانَ اللهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلى ما أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ (١٧٩)) [آل عمران] فأرسل رسله إلى المكلفين ، وفيهم الطيب والخبيث ، فانضاف الطيب إلى الطيب والخبيث إلى الخبيث ، واقتضت حكمته البالغة أن خلطهم في دار الامتحان ، فإذا صاروا إلى دار القرار ، يميز بينهم ، وجعل لهؤلاء دارا على حدة ، ولهؤلاء دارا على حدة ، حكمة بالغة وقدرة قاهرة.
ومنها : أن يظهر كمال قدرته في خلق مثل جبريل والملائكة وإبليس والشياطين ، وذلك من أعظم آيات قدرته ومشيئته وسلطانه ، فإنه خالق الأضداد كالسماء والأرض والضياء والظلام والجنة والنار والماء والنار والحر والبرد والطيب والخبيث.
ومنها : أن خلق أحد الضدين من كمال حسن ضده ، فإنّ الضدّ إنما يظهر حسنه بضده ، فلولا القبيح لم تعرف فضيلة الجميل ، ولو لا الفقر لم يعرف قدر الغنى ، كما تقدم بيانه قريبا.
ومنها : أنه سبحانه يحب أن يشكر بحقيقة الشكر وأنواعه ، ولا ريب أن أولياءه نالوا ، بوجود عدو الله إبليس وجنوده وامتحانهم به ، من أنواع شكره ، ما لم يكن ليحصل لهم بدونه ، فكم بين شكر آدم وهو في الجنة قبل أن يخرج منها ، وبين شكره بعد أن ابتلي بعدوه ، ثم اجتباه ربّه وتاب عليه وقبله.
ومنها : أنّ المحبة والإنابة والتوكل والصبر والرضاء ونحوها أحب العبودية إلى الله سبحانه ، وهذه العبودية إنما تتحقق بالجهاد وبذل النفس لله ،