وفي غسل الجنابة من زيادة النعومة والإخلاف على البدن نظير ما تحلل منه بالجنابة ما هو من أنفع الأمور.
وتأمّل كون الوضوء في الأطراف التي هي محل الكسب والعمل ، فجعل في الوجه الذي فيه السمع والبصر والكلام والشم والذوق ، وهذه الأبواب هي أبواب المعاصي ، والذنوب كلها منها يدخل إليها ، ثم جعل في اليدين ، وهما طرفاه وجناحاه اللذان بهما يبطش ويأخذ ويعطي ، ثم في الرجلين اللتين بهما يمشي ويسعى.
ولما كان غسل الرأس مما فيه أعظم حرج ومشقة ، جعل مكانه المسح ، وجعل ذلك مخرجا للخطايا من هذه المواضع حتى يخرج مع قطر الماء من شعره وبشره ، كما ثبت عن النبيّ صلىاللهعليهوسلم من حديث أبي هريرة قال : «إذا توضأ العبد المسلم أو المؤمن ، فغسل وجهه ، خرج من وجهه كلّ خطيئة نظر إليها بعينه مع الماء ، أو مع آخر قطر الماء ، فإذا غسل يديه ، خرج من يديه كل خطيئة كان يبطشها يداه مع الماء ، أو مع آخر قطر ، فإذا غسل رجليه ، خرجت كل خطيئة مشتها رجلاه مع الماء ، أو مع آخر قطر الماء ، حتى يخرج نقيا من الذنوب» رواه مسلم (١).
وفي صحيح مسلم أيضا (٢) ، عن عثمان بن عفان قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «من توضّأ فأحسن الوضوء ، خرجت خطاياه حتى تخرج من تحت أظفاره».
فهذا من أجلّ حكم الوضوء وفوائده ، وقال نفاة الحكمة : إنه تكليف ومشقة وعناء محض ، لا مصلحة فيه ولا حكمة شرع لأجلها. ولو لم يكن
__________________
(١) مسلم (٢٤٤).
(٢) مسلم (٢٤٥).