عبادك؟ قال : إني أحببت أن أشكر.
فمواضع التحصل ومواقع الفصل التي يقدح بها نفاة الحكمة هي من أدلّ شيء على كمال حكمته سبحانه ، ووضعه للفضل مواضعه ، وجعله عند أهله الذين هم أحقّ به وأولى من غيرهم ، وهو الذي جعلهم كذلك بحكمته وعلمه وعزته وملكه ، فتبارك الله رب العالمين وأحكم الحاكمين. ولا يجب بل لا يمكن المشاركة في حكمته ، بل ما حصل للخلائق كلهم من العلم بها كنقرة عصفور في البحر المحيط ، وأي نقص في دوام حكمته شيئا بعد شيء كما تدوم إرادته وكلامه وأفعاله وإحسانه وجوده وإنعامه؟ وهل الكمال إلا في هذا التسلسل؟ فما ذا نفر النفاة منه أنفرهم أن يقال : لم يزل ولا يزال حيا عليما قديرا حكيما متكلما محسنا جوادا ملكا موصوفا بكل كمال غنيا عن كل ما سواه ، لا تنفد كلماته ، ولا تتناهى حكمته ، ولا تعجز قدرته ، ولا يبيد ملكه ، ولا تنقطع إرادته ومشيئته ، بل لم يزل ولا يزال له الخلق والأمر والحكمة والحكم؟ وهل النقص إلا سلب ذلك عنه؟ والله الموفق بفضله وإعانته.
الجواب السادس : أنّ الرب تبارك وتعالى إذا خلق شيئا ، فلا بد من وجود لوازمه ، ولا بد من عدم أضداده ، فوجود الملزوم بدون لازمه محال ، ووجود الضد مع ضده ممتنع ، والمحال الممتنع ليس بشيء ، ولا يتصور العقل وجوده في الخارج ، وغدا كان هذا التسلسل الجائز من لوازم خلقه وحكمته ، لم يكن في القول محذور ، بل كان المحذور في نفيه ، توضيحه.
الجواب السابع : إنه لم يقم دليل عقليّ ولا سمعي على امتناع دوام أفعال الرب ، في الماضي والمستقبل أصلا ، وكلّ أدلة النّفاة من أولها إلى آخرها