فالملائكة تسأله ما لا حياة لها إلا به ، وإعانته على ذكره وشكره وحسن عبادته ، وتنفيذ أوامره ، والقيام بما جعل إليهم من مصالح العالم العلوي والسفلي ، وتسأله أن يغفر لبني آدم والرسل تسأله أن يعينهم على أداء رسالاته وتبليغها ، وأن ينصرهم على أعدائهم ، وغير ذلك من مصالحهم في معاشهم ومعادهم. وبنو آدم كلهم يسألونه مصالحهم على تنوّعها واختلافها. والحيوان كله يسأله رزقه وغذاءه وقوته وما يقيمه ، ويسأله الدفع عنه. والشجر والنبات يسأله غذاءه وما يكمل به. والكون كله يسأله إمداده بقاله وحاله : (يَسْئَلُهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ (٢٩)) [الرحمن] فأكفّ جميع العالم ممتدة إليه بالطلب والسؤال ، ويده مبسوطة لهم بالعطاء والنوال ، يمينه ملأى ، لا يغيضها نفقة سحّاء الليل والنهار ، وعطاؤه وخيره مبذول للأبرار والفجار ، له كلّ كمال ، ومنه كل خير ، له الحمد كلّه ، وله الثناء كله ، وبيده الخير كله ، وإليه يرجع الأمر كله ، تبارك اسمه ، وتباركت أوصافه ، وتباركت أفعاله ، وتباركت ذاته ، فالبركة كلها له ومنه ، لا يتعاظمه خير سأله ، ولا تنقص خزائنه على كثرة عطائه وبذله ، فلو صوّر كلّ كمال في العالم صورة واحدة ثم كان العالم كله على تلك الصورة ، لكان نسبة ذلك إلى كماله وجلاله وجماله دون نسبة سراج ضعيف إلى عين الشمس.
فصل
وأما الأقسام الخمسة الباقية فلا يدخل منها في الوجود إلا ما كانت المصلحة والحكمة والخير ، في إيجاده ، أكثر من المفسدة. والأقسام الأربعة لا تدخل في الوجود ، أما الشّرّ المحض الذي لا خير فيه ، فذاك ليس له