نسخة الضلال وعلم الشقاء كما أن نسخة الهدى وعلم السعادة فهم صحيح ، وقصد صالح. والله المستعان.
وتأمل قوله سبحانه : (ثُمَّ انْصَرَفُوا صَرَفَ اللهُ قُلُوبَهُمْ (١٢٧)) [التوبة] كيف جعل هذه الجملة الثانية ، سواء كانت خبرا أو إعادة عقوبة ، لانصرافهم ، فعاقبهم عليه بصرف آخر غير الصرف الأول ، فإن انصرافهم كان لعدم إرادته سبحانه ومشيئته لإقبالهم ، لأنه لا صلاحية فيهم ولا قبول ، فلم ينلهم الإقبال والإذعان ، فانصرفت قلوبهم بما فيها من الجهل والظلم ، عن القرآن ، فجازاهم على ذلك صرفا آخر غير الصرف الأول ، كما جازاهم على زيغ قلوبهم عن الهدى إزاغة غير الزيغ الأول ، كما قال (فَلَمَّا زاغُوا أَزاغَ اللهُ قُلُوبَهُمْ (٥)) [الصف].
وهكذا إذا أعرض العبد عن ربه سبحانه ، جازاه بأن يعرض عنه ، فلا يمكّنه من الإقبال عليه. ولتكن قصة إبليس منك على ذكر ، تنتفع بها أتم انتفاع ، فإنه لما عصى ربه تعالى ، ولم ينقد لأمره ، وأصرّ على ذلك ، عاقبه بأن جعله داعيا إلى كل معصية ، فعاقبه على معصيته الأولى بأن جعله داعيا إلى كل معصية وفروعها صغيرها وكبيرها ، وصار هذا الإعراض والكفر منه عقوبة لذلك الإعراض والكفر السابق ، فمن عقاب السيئة السيئة بعدها ، كما أن من ثواب الحسنة الحسنة بعدها.
فإن قيل : فكيف يلتئم إنكاره ـ سبحانه ـ عليهم الانصراف والإعراض عنه ، وقد قال تعالى : (فَأَنَّى تُصْرَفُونَ (٣٢)) [يونس] و : (أَنَّى يُؤْفَكُونَ (٧٥)) [المائدة] وقال : (فَما لَهُمْ عَنِ التَّذْكِرَةِ مُعْرِضِينَ (٤٩)) [المدثر] فإذا كان هو الذي صرفهم ، وجعلهم معرضين ومأفوكين ، فكيف ينفي ذلك عليهم؟.