البحث الثاني في تقسيم المحدثات
المحدث بالنظر الى القسمة العقلية على ثلاثة أقسام : إما أن يكون متحيزا ، أو حالّا في المتحيز ، أو لا يكون متحيزا ولا حالّا في المتحيز ، لكن المتكلمون أسقطوا هذا الأخير من البين إلّا شرذمة قليلة منهم غير محققين قالوا بوجود الفناء وإرادة الله تعالى وكراهته لا في محلّ ، وابن شبيب من المتكلمين قال بوجود البقاء لا في محل (١).
واستدل الجمهور فقالوا : لو كان هاهنا موجودا كذلك لكان مساويا لله تعالى في التجرد فيكون مماثلا له تعالى ، وإلّا لكان التجرد معللا بحقيقتين مختلفتين وهو محال ، لأن المعلول يحتاج الى العلة المعينة لذاته.
وهذا كلام سخيف ، فإن المعلول يفتقر الى علة مطلقة لا الى علة معينة ، وتعيين الاحتياج الى هذه العلة إنما جاء من جانب العلة.
أمّا المتحيز فإما أن لا يقبل القسمة وهو الجوهر ، أو يقبلها في جهة واحدة وهو الخط ، ولا يحصل إلّا من جوهرين فما زاد أو في جهتين وهو السطح ، وأقل ما يكون من أربعة جواهر عند قوم وعند آخرين من ثلاثة ، او في ثلاث جهات وهو الجسم ، وأقل ما يكون من ثمانية جواهر أو من ستة على الخلاف ، وقيل : من أربعة. وقيل : كل ما يقبل القسمة فهو جسم فجعلوه مركبا من جوهرين (٢).
وأمّا الحالّ في المتحيز فإنه يسمى العرض ، فإما أن يكفي في حلوله مجرد المحل ولا يكفي ، والأول الأكوان والألوان والطعوم والروائح والحرارة والبرودة والرطوبة واليبوسة والصوت والاعتماد. وأما الذي لا يكفي فيه مجرد المحل ، فإما
__________________
(١) انظر : الرازي ، محصل افكار المتقدمين والمتاخرين ص ١٣٥.
(٢) سيجيء البحث في ذلك مفصلا في البحث عن الجسم واحكامه وهو البحث الثالث.