اختلف الناس في الإيمان (١) ، فذهبت الإمامية الى أنه المعرفة ، وهو مذهب جهم بن صفوان ويميل إليه أبو الحسن الأشعري ، وذهبت الأشعرية الى أنه عبارة عن التصديق ، وذهبت الكرامية الى أنه عبارة عن التلفظ بالشهادتين ، وذهب الجبائيان واتباعهما الى أنه عبارة عن فعل الواجبات والاجتناب عن المحرمات ، وذهب قاضي عبد الجبار وأبو الهذيل العلاف الى أنه اسم لجميع الطاعات من فعل الواجبات والمندوبات.
وذهب جماعة السلف الى أنه عبارة عن اعتقاد (٢) بالقلب وإقرار باللسان وعمل بالاركان ، وهو مذهب شيخنا المفيد رحمهالله وذهب بعض أصحابنا الى أنه عبارة عن الاعتقاد بالقلب والإقرار باللسان أو حكمه كما في حق الساكت والنائم والمكره ، والأخير عندي هو الحق ، لأن الإيمان في اللغة التصديق والأصل عدم النقل ، ولأنه لو نقل في الشرع لكان ذلك معلوما كسائر الألفاظ المنقولة شرعا.
وذلك التصديق لا يجوز أن يكون اشارة الى المعرفة القلبية لقوله تعالى : (فَلَمَّا جاءَهُمْ ما عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ) (٣) ، ولا التصديق اللساني لقوله تعالى : (قالَتِ الْأَعْرابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمانُ فِي قُلُوبِكُمْ) (٤) ، ولا شك أن اولئك الأعراب كانوا مصدقين بألسنتهم ، وقوله تعالى : (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَما هُمْ بِمُؤْمِنِينَ) (٥) فوجب أن يكون الإيمان
__________________
(١) انظر عن اختلاف الآراء حول حقيقة الايمان الى : الايجي ، المواقف ص ٣٨٤ ، والتفتازاني ، شرح المقاصد ج ٥ ص ١٧٦ ، والفاضل المقداد ، اللوامع الالهية ص ٣٩٢.
(٢) ب : عن الاعتقاد.
(٣) البقرة : ٨٩.
(٤) الحجرات : ١٤.
(٥) البقرة : ٨.