بمالك.
قلنا : ان استندتم في العلم بحسن تصرف المالك في ملكه الى العقل اعترفتم ، وان كان الى الشرع سقط كلامكم لأنا الزمناكم فيه.
الخامس : لو جوزنا كون الهند اعتقدت حسن الصدق وقبح الظلم لشبهة لا لقضاء العقل ، لجوزنا أن يكون بعض البلاد يعتقدون قبح القذف وذم من استعمله والاستخفاف بالمحسن (١) والاساءة إليه والاحسان الى المسيء لاجل شبهة عرضت لهم ، لأنّ العقل غير قاض بواحد منهما ، ولما كان هذا باطلا قطعا ، فإن العقلاء بأسرهم لو أخبرهم مخبر بذلك لسارعوا الى تكذيبه بناء منهم على أن ذلك ممتنع عقلا فكذلك الأول.
واحتجت الأشاعرة على مذهبهم بوجوه (٢) :
الأول : أنّ العلم بقبح الأشياء وحسنها لو كان ضروريا لوجب مساواته لاعتقاد كون الكل أعظم من الجزء لعدم التفاوت في الضروريات ، ولكانت العقلاء بأسرهم مشتركة فيه ، ولو كان نظريا لكان خرقا للإجماع ، لأنّ العقلاء بين قائلين بعدم العلم بذلك مطلقا وبين قائلين بالعلم به بالضرورة.
الثاني : أن النبي إذا هرب من إنسان قاتل ، فإخباره به مع السؤال إن كان حسنا لزم حسن الظلم ، وإن كان قبيحا لزم قبح الصدق.
والثالث : أن الله تعالى كلّف أبا لهب بالإيمان بجميع ما أخبر به ومن جملته أنه لا يؤمن فيكون مكلّفا بالجمع بين النقيضين.
__________________
(١) ب : بالمحسنين.
(٢) ذكر بعض هذه الوجوه الايجي في : المواقف ص ٣٢٤ ، والتفتازاني في : شرح المقاصد ج ٤ ص ٢٨٤ ، وبنى الايجي هذه المسألة على مسألة عدم اختيار العبد في افعاله على ما يعتقده الاشاعرة ، وقال : ان العبد مجبور في افعاله واذا كان كذلك لم يحكم العقل فيها بحسن ولا قبيح اتفاقا (المواقف ص ٣٢٤) ، وبناء على هذا فالمسألة مبنائية.