مسألة : ذهبت الأشاعرة الى أن الله تعالى متكلم بكلام قائم بذاته تعالى قديم ، وأنه واحد ليس بأمر ولا نهي ولا خبر أوجب له كونه تعالى متكلما (١) بوجوه :
أحدها : أن الطلب معنى من المعاني المعقولة ولا يجوز أن يكون هو القدرة والعلم والحياة وغير ذلك من الصفات ، وهو ظاهر إلا في الإرادة.
وإنما كان مغايرا لها لأن وجود كل واحد منها قد يحصل بدون الآخر ، أما الإرادة فكثير ما يريد الإنسان شيئا ولا يطلبه لتعذره ، واما الطلب فلأن السيد إذا أمر عبده عند السلطان طالبا إظهار تمرّده ليتضح عذره في عقوبته فإنه في تلك الحالة طالب غير مريد وذلك الطلب هو نفس الكلام.
وثانيها : أن ذلك المعنى أعني الطلب باق مع تغير الألفاظ الدالة عليه أعني الكلام اللفظي فدل على التغاير.
وثالثها : قول الشاعر :
إن الكلام لفي الفؤاد وإنما |
|
جعل اللسان على الفؤاد دليلا (٢) |
ورابعها : أنه تعالى موصوف بأنه متكلم إجماعا ، فذلك الوصف إما أن يكون قديما أو محدثا ، والثاني باطل والّا لزم أن يكون محلّا للحوادث ، والأول هو المطلوب.
__________________
(١) هذا هو القول بالكلام النفسي الذي اثبته ابو الحسن الاشعري واشتهر به ، وقد رده المحققون حتى ان النوبختي قال في الياقوت : وكلام النفس هذيان! وقال العلامة في شرحه : انه غير معقول فان العقلاء كافة لا يصفون بالتكلم الّا من صدر عنه الحروف والاصوات ... (انوار الملكوت في شرح الياقوت ص ١٣٩).
(٢) هذا الشعر للاخطل كما نسب إليه الفاضل المقداد في اللوامع الالهية ص ١٢٥ والتفتازاني في شرح المقاصد ج ٤ ص ١٥٠ ، وكان الاخطل مسيحيا يشرب الخمر ومع ذلك كان شاعر الامويين ، قال عبد الملك بن مروان : لكل قوم شاعر وشاعر بني امية الاخطل (ابو الفرج الاصفهاني ، الاغاني ج ٨ ص ٢٩٤).