بحث.
مسألة : لما كان العلم عند الأوائل هو حصول صورة مساوية للمعلوم في العالم وكان اجتماع صورتين متساويتين في محل واحد من غير اختلاف لازم أو عارض محالا ، كانت الصورة الحالة في الذهن إما معلومة بنفسها من غير تضاعف الصور ، وإما غير معلومة اصلا.
لكن الثاني من القسمين باطل قطعا ، فان حصول الصورة للشيء لا ينفك عن حصول ذلك الحصول عند اعتبار المعتبرين فكان العلم معلوما بنفسه.
وأبو علي الجبائي وافق على ذلك فجعل العلم يعلم بنفسه ، وخالف في ذلك مشايخ المعتزلة فذهبوا الى أن العلم يعلم بعلم آخر ، قالوا : لأن العلم لا يتعلق بمعلومين على ما سلف والعلم والمعلوم متغايران فيتغاير العلم المتعلق بهما.
تذنيب : ذهب الشيخان (١) الى أن العلم بالعلم هو علم بالمعلوم ، والحق خلاف هذا ، فان العلم إضافة والمعلوم قد لا يكون إضافة فهما متغايران فكيف يكون العلم بأحدهما هو العلم بالآخر ، ووافقنا على ذلك أبو عبد الله وأبو إسحاق وقاضي القضاة ، فإنهم قالوا : العلم بالعلم هو علم بكونه على حال او حكم.
مسألة : العالم بالشيء هل يجب أن يكون عالما بأنه عالم بذلك الشيء؟ الحق عندنا أنه لا يجب ذلك وقد وافقنا على ذلك ، طائفة من الأوائل ومشايخ المعتزلة ، نعم إذا اعتبر المعتبر وجب تعلق العلم به ، وابو القاسم أوجب ذلك.
مسألة : الحق عندنا أنه لا يصح اجتماع علوم كثيرة لعالم واحد متعلقة بشيء واحد لاستحالة اجتماع الأمثال ، ومن جوز اجتماع المثلين جوز ذلك هاهنا.
ويحكى عن أبي علي المنع مع اعترافه باجتماع الأمثال ، قال : فإن هذا يجري مجرى الساكن فانه لا يجوز تسكينه والمجتمع لا يجوز جمعه ، وعلى تقدير اجتماع
__________________
(١) وهما ابو علي وابو هاشم الجبائيين.