البحث التاسع في الصوت
قال بعض الناس : إنه عبارة عن اصطكاك الأجسام الصلبة ، وهو غلط ، لأن الاصطكاك مماسة قوية وهي غير مدركة بالسمع ، والسبب في غلطهم أخذ لازم الشيء مكانه.
ونقل عن النظام إن الصوت جواهر ينقطع بالحركة ، وهو خطأ ، لكون الجوهر غير مدرك بالسمع.
والحق ان الصوت لا يجوز تعريفه ، وهو مدرك بحاسة السمع ، وسببه تموّج الهواء عند حصول القرع او القلع (١) اذا بلغ التموج الى صماخ الأذن المجوف الحاوي للهواء تحرك ذلك الهواء فاحس بحسب تحركه.
وأما أن الصوت حاصل في خارج الحاسة بالتموج أو في الحاسة ففيه شك ، وقد جزم الشيخ بوجوده (٢) خارجا لأنا ندرك جهته ، ولو كنّا إنما ندركه حال وصول التموج الى الأذن لما أدركنا الجهة فإن الحواس المدركة بالملاقاة لا تدرك الجهة كالشمّ واللمس ولا بد في حصول الصوت من المقاومة ، ولا يشترط الصلابة فإنك لو ضربت على الماء بسرعة لحدث الصوت مع عدم الصلابة وحصول المقاومة.
مسألة : الحرف هيئة عارضة للصوت يتميز بها عن صوت آخر مثله تميزا في المسموع عند الأوائل.
والمتكلمون لما أحالوا قيام المعنى بالمعنى ، أحالوا كون الحرف هيئة للصوت ، بل جعلوه من جنس الصوت.
__________________
(١) القرع الضرب ، والقلع انتزاع الشيء من اصله. ذكرهما ابن منظور.
(٢) انظر : طبيعيات الشفاء ج ٦ ص ٧٠.