والمثبتون قالوا : نحن نعلم بالضرورة انتقال الجسم من شيء الى غيره حين الحركة ، وليس ذلك الشيء جوهرا ولا كيفا ولا كمّا في ذاته ولا شيئا من المعاني الباقية حال الحركة ، فلا بد من شيء آخر كان الجسم حاصلا فيه أوّلا ثم استبدل ثانيا وهو المسمى بالمكان.
وأيضا فإنا نجد الجسم يفارق ويعقبه آخر ، والبديهة حاكمة بأن هذا المعاقب عاقب هذا الشيء في الحيز الذي ثبت للأول.
ثم أجابوا عن الأول : بأن المكان عرض حالّ في غير المتمكن فلا يلزم المحذور.
وعن الثاني : أن المساواة في الحقيقة غير معتبرة بل هي مستعملة هاهنا على سبيل المجاز والمعنى بها اختصاص المكان بالمتمكن حتى يكون مساويا لنهايته.
وعن الثالث : أن الشك إنما يلزم لو قيل الانتقال سواء كان بالذات او بالعرض يحوج الى المكان وليس كذلك.
تذنيب : المثبتون للمكان من الأوائل اختلفوا في ماهيته ، فذهب بعضهم إلى أنه الهيولى فإن الهيولى قابلة للتعاقب والمكان كذلك ، وذهب بعضهم الى أنه الصورة فإن الصورة حاوية والمكان كذلك.
وهذان المذهبان فاسدان ، فإنّ المكان يفارقه المتمكن بالحركة والشيء لا يفارق أجزائه ، وما احتجوا به فهو عقيم فإن الموجبتين في الشكل الثاني لا ينتج.
والمحققون من الأوائل اختلفوا ، فذهب قوم الى أنه البعد (١) ، فان بين طرفي
__________________
(١) وقد عبر عنهم الرازي باصحاب البعد وقال : ان اصحاب البعد منهم من زعم ان العلم بذلك ضروري ومنهم من احتج على اثباته ، ولهم في هذا الاحتجاج طريقان : اولهما ان يدلوا على اثبات مذهبهم بان المكان هو البعد ، وآخرهما ان يحتجوا على فساد قول اصحاب السطح ثم