هذا نصّ ما قاله اليسع.
قال : وأمرهم بجمع العساكر ، فخرجوا إلى ناحية مرّاكش ، فوجدوا جيشا للمرابطين ، فالتقوا ، فانهزم المرابطون هزيمة مات فيها أكثر من شهدها ، وصبر فيها الموحّدون.
فلمّا كان في سنة إحدى وعشرين تألّفوا في أربعين ألف راجل وأربعمائة فارس ، ونزلوا يريدون حضرة مرّاكش ، فحدّثني جماعة أنّهم نزلوا على باب أغمات بعد أن خرج إليهم المرابطون في أكثر من مائة ألف ، بين فارس وراجل ، فخذلوا ودخلوا المدينة في أسوأ حالة. فجاء من الأندلس ابن همبك في مائة فارس ، فشجّع أمير المسلمين ، وخرج فقاتل ، فانتصر المرابطون ، وقتل من المصامدة نحو من أربعين ألفا ، فما سلم منهم إلّا نحو أربعمائة نفس.
كذا قال اليسع.
وقال ابن خلّكان (١) : حضرت ابن تومرت الوفاة ، فأوصى أصحابه وشجّعهم ، وقال : العاقبة لكم. ومات في سنة أربع وعشرين إثر الوقعة الّتي قتل فيها الونشريسيّ ، ودفن بالجبل ، وقبره مشهور معظّم. ومات كهلا.
وكان ربعة ، أسمر ، عظيم الهامة ، حديد النّظر ، مهيبا.
وقيل فيه : آثاره تغنيك عن أخباره حتّى كأنّك بالعيان تراه ، قدم في الثّرى وهامة في الثّريّا ، ونفس ترى إراقة ماء الحياة دون ماء المحيّا. أغفل المرابطون ربطه حتّى دبّ دبيب الفلق في الغسق ، وترك في الدّنيا دويّا. وكان قوته من غزل أخته رغيفا في كلّ يوم ، بقليل سمن أو زيت. فلم ينتقل عن ذلك حين كثرت عليه الدّنيا.
ورأى أصحابه يوما وقد مالت نفوسهم إلى كثرة ما غنموه ، فأمر بإحراق جميعه ، وقال : من كان يبتغي الدّنيا فما له عندي إلّا [هذا] (٢) ، ومن كان يبتغي الآخرة فجزاؤه (٣) عند الله.
__________________
(١) في وفيات الأعيان ٥ / ٥٤.
(٢) في الأصل بياض.
(٣) في الأصل : «فجزاءه».