قال المشركون : «لَوْ شاءَ اللهُ ما
أَشْرَكْنا وَلا آباؤُنا وَلا حَرَّمْنا مِنْ شَيْءٍ» قال الله تعالى : «هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ
فَتُخْرِجُوهُ لَنا إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ أَنْتُمْ إِلَّا
تَخْرُصُونَ قُلْ فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبالِغَةُ فَلَوْ شاءَ لَهَداكُمْ
أَجْمَعِينَ»
فان هؤلاء
المشركين يعلمون بفطرتهم وعقولهم أن هذه الحجة داحضة وباطلة فان أحدهم لو ظلم
الآخر ، أو حرج في ماله ، أو فرج امرأته ، أو قتل ولده ، أو كان مصرّاً على الظلم
فنهاه الناس عن ذلك فقال : لو شاء الله لم أفعل هذا ، لم يقبلوا منه هذه الحجة ولا
هو يقبلها من غيره ، وانما يحتج بها المحتج رفعاً للوم بلا وجه.
فقال الله لهم : هل
عندكم من علم فتخرجوه لنا؟ بأن هذا الشرك والتحريم من أمر الله وأنه مصلحة ينبغي
فعله ، ان تتبعون إلّا الظن ، فانه لا علم عندكم بذلك ، ان تظنون ذلك الّا ظنّاً
وان أنتم إلّا تخرصون تحرزون وتفترون ، فعمدتكم في نفس الأمر ظنكم وخرصكم ليس في
عمدتكم في نفس إلّا وكون الله شاء ذلك وقدره.
فإن مجرد المشيّة
والقدرة لا تكون عمدة لأحد في الفعل ولا حجة لأحد على أحد ولا عذراً لأحد اذ الناس
كلهم مشتركون في القدر ، فلو كان هذا حجة وعمدة لم يحصل فرق بين العادل والظالم
والصادق والكاذب والعالم والجاهل والبر والفاجر ، ولم يكن فرق بين ما يصلح الناس
من الاعمال وما يفسدهم وما ينفعهم وما يضرهم.
وهؤلاء المشركون
المحتجّون بالقدر على ترك ما أرسل الله به رسله من
__________________