الخلاء فمكان فارغ. وأما الصورة فهي فوق المكان والخلاء ، ومنها أبدعت الموجودات وكل ما كوّن منها فإنه ينحل إليها ، فمنها المبدأ ، وإليها المعاد.
وربما يقول : الكل يفسد ، وليس بعد الفراق حساب ولا قضاء ولا مكافأة ولا جزاء، بل كلها تضمحل وتدثر ، والإنسان كالحيوان مرسل مهمل في هذا العالم.
والحالات التي ترد على الأنفس في هذا العالم كلها من تلقائها على قدر حركاتها وأفاعيلها ، فإن فعلت خيرا وحسنا فيرد عليها سرور وفرح ، وإن فعلت شرا وقبيحا فيرد عليها حزن وترح ، وإنما سرور كل نفس بالأنفس الأخرى ، وكذا حزنها مع الأنفس الأخرى بقدر ما يظهر لها من أفاعيلها.
وتبعه جماعة من التناسخية على هذا الرأي.
٨ ـ حكم سولون الشاعر (١)
وكان عند الفلاسفة من الأنبياء العظام بعد هرمس وقبل سقراط ، وأجمعوا على تقديمه والقول بفضائله.
قال سولون لتلميذه : تزود من الخير وأنت مقبل ، خير لك من أن تتزود منه وأنت مدبر.
__________________
ـ هو الفراغ أو الخلاء. لكن لم يجعله أصلا لتركيب الأجسام ، وإنما يقول إنه أصل لحركاتها لأنه لو لم يكن للفراغ أو الخلاء انتشار في جميع الأجسام لم يمكن تحرك شيء ، بل كانت أجرام المادة متلاصقة بعضها ببعض كالصخرة الواحدة فلا يتولد عنها شيء.
(١) ولد سولون في أثينا سنة ٦٤٠ ق. م. سافر في صباه إلى مصر ، وكانت ميدانا للعلم ، فتعلم عن حكمائها ، وألم بما يلزم من الشرائع ، ثم عاد إلى أثينا فأصبح من أصحاب العز والجاه وتسنّم أرفع المناصب ، وكان شاعرا ماهرا وخطيبا مفوّها ، وفقيها ملما بالقوانين. وقد أمضى حياته في الدفاع عن وطنه وحريته ، لما سمع بطاليس رحل إليه وأخذ عنه. وقد رحل إلى مدينة تيليقيا وبنى مدينة عظيمة سمّاها باسمه. وقد أدركه الموت بجزيرة قبرص سنة ٥٦٢ ق. م. وأقام له الأثينيون تمثالا من الذهب وهو يمسك بيده كتاب القانون الذي وضعه ، وأقام له أهل سلامينا تمثال خطيب. (انظر ترجمة مشاهير قدماء الفلاسفة ص ٩).