المبادرة إلى الحرب. فاتّفق أنّ في بعض الأيّام الّتي تحاربوا فيها حضر القاضي الهمذانيّ عند رئيس الرؤساء ، ثمّ استأذن في الحرب وضمن له قتل البساسيريّ من غير أن يعلم عميد العراق. وكان رأي عميد العراق المطاولة رجاء أن ينجدهم طغرلبك. فخرج الهمذانيّ بالهاشميّين والخدم والعوامّ إلى الحلبة وأبعدوا ، والبساسيريّ يستجرّهم ، فلمّا أبعدوا حمل عليهم ، فانهزموا وقتل جماعة وهلك آخرون في الزّحمة ، ووقع النّهب بباب الأزج (١).
وكان رئيس الرؤساء واقفا ، فدخل داره وهرب كلّ من في الحريم ، ولطم العميد على وجهه كيف استبدّ رئيس الرؤساء بالأمر ولا معرفة له بالحرب.
فاستدعى الخليفة عميد العراق وأمره بالقتال على سور الحريم ، فلم يرعهم إلّا والزّعقات ، وقد نهب الحريم ، ودخلوا من باب النّوبي ، فركب الخليفة لابسا السّواد ، وعلى كتفه البردة ، وعلى رأسه اللّواء ، وبيده سيف ، وحوله زمرة من العبّاسيّين والخدم بالسّيوف المسلولة (٢) ، فرأى النّهب إلى باب الفردوس من داره. فرجع إلى ورائه نحو عميد العراق ، فوجده قد استأمن إلى قريش ، فعاد وصعد إلى المنظرة ، وصاح رئيس الرؤساء : يا علم الدّين ، (يعني قريشا ، أمير المؤمنين يستدنيك (٣). فدنا منه ، فقال : قد أنالك الله منزلة لم ينلها أمثالك ، أمير المؤمنين يستذمّ منك على نفسه وأصحابه بذمام الله وذمام رسوله وذمام العربيّة (٤).
قال : نعم. وخلع قلنسوته فأعطاها للخليفة وأعطى رئيس الرؤساء مخصرة ذماما ، فنزل إليه الخليفة ورئيس الرؤساء وسارا معه (٥). فأرسل إليه البساسيريّ : أتخالف ما استقرّ بيننا؟
__________________
(١) الكامل ٩ / ٦٤١ ، ٦٤٢ ، نهاية الأرب ٢٦ / ٢٩٠ ، تاريخ ابن خلدون ٣ / ٤٤٩ ، النجوم الزاهرة ٥ / ٨.
(٢) البداية والنهاية ١٢ / ٧٧.
(٣) في «الإنباء في تاريخ الخلفاء» لابن العمراني ٢٩٣ «يستدعيك» ، والمثبت يتفق مع : الكامل ٩ / ٦٤٢ ، واتعاظ الحنفا ٢ / ٢٥٣.
(٤) انظر : «الإنباء» ١٩٣ ، والمختصر في أخبار البشر ٢ / ١٧٧ ، وتاريخ ابن الوردي ١ / ٣٦٣ ، ومآثر الإنافة ١ / ٣٤٠ ، والنجوم الزاهرة ٥ / ٩.
(٥) الإنباء ١٩٣.