وقد ولي وزارة بغداد في أيّام القادر بالله ، فأثر بها آثارا حسنة ، وعمّ بإحسانه وجوده الخاصّ والعامّ. وعمّر البلاد ، ونشر العدل والإحسان. قتل مظلوما ، وقد مدحه غير واحد.
ولد فخر الملك بواسط في ربيع الآخر سنة أربع وخمسين وثلاثمائة وتنقّلت به الأحوال حتّى وليّ الوزارة ، وكان قد جمع بين الحلم والكرم والرأي.
قال أبو جعفر بن المسلم : كنت مع أبي عند فخر الملك أبي غالب وقد رفعت إليه سعاية برجل ، فوقّع فيها : السّعاية قبيحة ولو كانت صحيحة. فإن كنت أجريتها مجرى النّصح فخسرانك فيها أكثر من الربح ، ومعاذ الله أن نقبل من مهتوك في مستور ، ولو لا أنّك في خفارة شيبك لعاملناك بما يشبه مقالك ، ويردع أمثالك. فأكتم هذه المقالة والعيب ، واتّق من يعلم الغيب (١).
ثمّ إنّ فخر الملك أمر أن تطرح في المكاتب وتعلّم الصبيان ، يعني هذه الكلمات.
وقد ذكره هلال بن المحسّن في كتاب «الوزراء» (٢) من جمعه ، فأسهب في وصفه. وأطنب وطوّل ترجمته.
وكان أبوه صيرفيّا بديوان واسط ، فنشأ فخر الملك في الدّيوان ، وكان يتعانى الكرم والمروءة في صغره ، وله نفس أبيّه ، وأخلاق سنيّة ، فكان أهله يلقّبونه بالوزير الصغير. فلم يلبث أن ولي مشارفة بعض أعمال واسط ، وتخادم لبهاء الدّولة بفارس ، وجرت على يده فتوحات.
وتوفّي أبو عليّ الحسن بن أستاذ هرمز ، فولي أبو غالب وزارة العراق في آخر سنة إحدى وأربعمائة ، ومدحه الشّعراء. فلم يزل حاكما عليها حتّى أمسك بالأهواز في ربيع الأوّل وقتل.
وكان رحمهالله طلق الوجه ، كثير البشر ، جوادا ، تنقّل في الأعمال جليلها وصغيرها. وكان إليه المنتهى في الكفاية والخبرة وتنظيم الأمور. يوقّع أحسن توقيع وأسدّه وألطفه. ويقوم بعد الكدّ والنّصب وهو ضاحك ، ما تبيّن عليه
__________________
(١) وفيات الأعيان ٥ / ١٢٥ ، ١٢٦.
(٢) ص ٥ و ١٧١.