وحاصر قرطبة إلى أن أخذها كما ذكرنا سنة ثلاث وأربعمائة. وعاث هو جيشه وأفسدوا ، وعملوا ما لا تعمله الفرنج. وكان من أمراء جنده القاسم وعليّ ابنا حمّود بن ميمون الحسنيّ الإدريسيّ ، فقدّمهما على البربر ، ثمّ استعمل أحدهما على سبتة وطنجة ، واستعمل القاسم على الجزيرة الخضراء.
ثمّ إنّ عليّا متولي سبتة راسل جماعة وحدّث نفسه بولاية الأندلس ، فاستجاب له خلق وبايعوه ، فزحف من سبتة وعدّى إلى الأندلس ، فبايعه أمير مالقة. واستفحل أمره ، ثمّ زحف بالبربر إلى قرطبة ، فجهّز المستعين لحربه ولده محمد بن سليمان ، فانكسر محمد وهجم عليّ بن حمّود قرطبة فدخلها ، وذبح المستعين بيده صبرا ، وذبح أباه الحكم وهو شيخ في عشر الثمانين ، وذلك في المحرّم. وانقطعت دولة بني أميّة في جميع الأندلس.
وكان قيام سليمان في شوّال سنة تسع وتسعين ، ثمّ كمل أمره في ربيع الآخر سنة أربعمائة ، وظفر بالمهديّ محمد بن عبد الجبّار في ذي الحجّة من السّنة فقتله صبرا ، وهرب المؤيّد بالله هشام بن الحكم وسار سليمان في بلاد الأندلس يعيث ويفسد ويغير حتّى دوّخ الإسلام وأهله.
قال الحميديّ : (١) لم يزل المستعين يجول بالبربر يفسد وينهب ويفقر المدائن والقرى بالسّيف لا يبقى معه البربر على صغير ولا كبير ولا امرأة إلى أن غلب على قرطبة سنة ثلاث في شوّال.
قلت : عاش سليمان المستعين نيّفا وخمسين سنة ، وله شعر رائق فمنه :
عجبا يهاب اللّيث حدّ سناني |
|
وأهاب لحظ فواتر الأجفان |
وأقارع الأهوال لا متهيّبا |
|
منها سوى الإعراض والهجران |
وتملّكت نفسي ثلاث كالدّمى |
|
زهر الوجوه نواعم الأبدان |
ككواكب الظّلماء لحن لناظر |
|
من فوق أغصان على كثبان |
هذي الهلال وتلك بنت المشتري |
|
حسنا ، وهذي أخت غصن البان |
حاكمت فيهن السّلوّ إلى الصّبى |
|
فقضى بسلطان على سلطاني |
__________________
(١) في جذوة المقتبس ٢٠.