السّنة ، فاطّلع الملك عزّ الدولة بختيار ابن معزّ الدولة على ذلك ، وكان قد ادّعى أنّ والده نصّبه للخلافة من بعده ، فصحبه من أهل بغداد خلق كثير من رؤسائها وأعيانها وبايعوه سرّا ، منهم أبو القاسم إسماعيل بن محمد المعروف بزنجي ، وترتّب له وزيرا ، فقبض عليه عزّ الدولة ثم جدع أنفه وقطع شفته العليا وشحمتي أذنيه ، وسجن بدار الخلافة ، وكان معه أخوه علي وأنّهما هربا من الدار في يوم عيد ، واختلطا (١) بالنّاس ، ومضيا إلى ما وراء النهر (٢).
وروى المتنبّي من شعره ، وله شعر وأدب ، ومات بخراسان خاملا.
* * *
ووصل ملك الروم ـ لعنهم الله ـ إلى حمص وملكوها بالأمان ، وخافهم صاحب حلب أبو المعالي بن سيف الدولة ، فتأخّر عن حلب إلى بالس (٣) وأقام بها الأمير قرغويه (٤) ، ثم ذهب أبو المعالي إلى ميّافارقين لما تفرّق عنه جنده ، وصاروا إلى ابن عمّه صاحب الموصل أبي تغلب ، فبالغ في إكرامهم ، ثم ورد أبو المعالي إلى حلب فلم يمكّن من دخولها واستضعفوه ، وتشاغل بحبّ جارية ، فردّ إلى سروج فلم يفتحوها له ، ثم إلى حرّان فلم يفتحوا له أيضا ، واستنصر بابن عمّه أبي تغلب ، فكتب إليه يعرض عليه المقام بنصيبين ، ثم صار إلى ميّافارقين في ثلاثمائة فارس وقلّ ما بيده.
ووافت الروم إلى ناحية ميّافارقين وأرزن يعبثون ويقتلون ، وأقاموا ببلد الإسلام خمسة عشر يوما ورجعوا بما لا يحصى.
* * *
وكان الحجّ في هذا العام صعبا إلى الغاية لما لحقهم من العطش والقتل ، مات من حجّاج خراسان فوق الخمسة آلاف ، وقيل بل ثلاثة آلاف
__________________
(١) في الأصل «واختلط».
(٢) انظر : تجارب الأمم ٢ / ٢٤٨ و ٢٤٩ ، ابن الأثير ٨ / ٥٨٤.
(٣) بالس : بلدة بالشام بين حلب والرّقّة. (معجم البلدان ١ / ٣٢٨).
(٤) في الأصل : «الأمر فرعونه».