أَما عن استجابته للداعية الثانية من داعيات البيئة والعصر ، أَعنى النحو ، فليس ثمة ما سجل له فى ذلك غير ما يقال من أَن ابن السِّكِّيت أَخذ عنه النحو ، وهو إِلى ذلك ليس فى مؤلفاته مؤلف فى ذلك العلم ، ولكن الذى لا شك فيه أَن الرجل كان ذا مكانة فى هذا العلم ، وأَن علمه به انتشر هنا وهناك ، وضمته المراجع التى كتبت فى هذا العلم ، وحسبك على هذه دليلا أَن الرجل معدود بين النحاة فى كتب النحاة.
أَما عن الثالثة ، وأَعنى بها روايته للحديث ، فلقد أَجمعت المراجع على سماعه ، وأَن هذا السماع كان واسعا ، وأَنه كان عنده من السماع عشرة أَضعاف ما كان عند غيره ، ثم إِن من بين مؤلفاته كتابا فى غريب الحديث ، وهو وإن كان إلى اللغة أَقرب ، إلا أَن هذا لا شك لون من أَلوان العناية بالحديث.
ويقول ابن النديم : كان ثقة فى الحديث.
ويقول أَحمد بن حنبل فى مسنده ، بعقب حديث ابن عُيَيْنة ، عن أَبى الزناد ، عن الأَعرج عن أَبى هريرة ، مرفوعا : أَن «أَخنع اسم عند الله يوم القيامة رجل تسمى بملك الأملاك».
ثم يعقب أَحمد فيقول : سأَلت أَبا عمرو الشيبانى عن «أَخنع» ، فقال : أَوضع.
وهذه وإن كانت هى الأُخرى أَمسَّ باللغة إِلا أنها تدلنا أَيضا على صلته بالحديث.
هذا إِلى أَن من تلامذته أَحمد بن حنبل ، وهو أَحد أئمة الحديث ، وما نظن روايته عنه إِلا كانت فى الحديث.
ثم إن من شيوخ أَبى عمرو الشيبانى ـ كما مر بك ـ محدثا معروفا ، هو رُكين.
وهكذا نرى كيف استجاب أَبو عمرو الشيبانى لهذه الداعيات الثلاث ، التى لفت بأَرديتها جل من عاصره. إن لم يكن كلهم.