بالكوفة كانت فى جوار نفر من الشيبانيين من بنى بكر بن وائل ، وهؤلاءِ الشيبانيون ـ فيما يبدو ـ كان لهم مقام فى الكوفة قبل استيلاءِ الضحّاك بن قيس الخارجى عليها سنة ١٢٧ ه ، فهذا الاستيلاءِ كان لابد له من تمهيد من صلات أُولى سبقته ، نقول هذا لأَن غلبة هذا اللقب ـ أَعنى الشيبانى ـ على رجلنا لابد أَن تجئ مع السنين الأُولى ، وبعيد أَن تجىء متأَخرة والرجل فى السبعين أَو يزيد عليها هذا إِذا أَخذنا بما يقوله ياقوت.
فأَبو عمرو استقبل مستهل القرن الأَول الهجرى فى الكوفة ، واستقبله فى ظل هذا الجوار الشيبانى ، وكان هذا الجوار لحًّا فيما يبدو ، مما حمل بعضهم على أَن يجعله ولاءً ، ويجعل أَبا عمرو مولى ، كما فعل محمد بن يوسف الكندى حين أَرخ له فى كتابه الموالى.
ولقد ظل أَبو عمرو فى الكوفة مدة ، إِلى أَن كانت خلافة الرشيد سنة ١٧٠ ه فترك الكوفة إِلى بغداد ، وعاش بها بقية عمره.
(ه) شيوخه :
ولقد أَخذ أَبو عمرو حظه من التعليم ، كما أَخذ غيره من العلماء ـ الذين ذكرنا بعضهم ـ حظهم.
وما من شك فى أَن هذا الجوار ، أَو هذا الولاء ، مكَّن له شيئا ، فلقد أَخذ بيده أَن ينشأَ متطلعا ، ثم كان لروح العصر أَثرها فى توجيهه.
فلقد عرفت ، مما مر بك ، أَن الرواية كانت من شغل هذا العصر ، كما كان النحو هو الآخر من شغله ، وكذا الحديث ، وهذه الثلاثة كلها ، التى كانت ملامح هذا العصر ، أَخذ فيها أَبو عمرو ، وكان له أَساتذته وشيوخه ، وما من شك فى أَنه كان له من بين من ذكرنا ، من رواة ونحويين ومحدثين ، ممن كانوا أَكبر منه سنا ، لقاءات علمية ، ولكنها فيما يبدو لم تبلغ المشيخة ، اللهم إِلا مع ثلاثة ، هم :
١ ـ أَبو عمرو بن العلاءِ ، ويكاد يكون أُستاذ هذا العصر رواية ونحوا ، وعلما تتلمذ أَبو عمرو الشيبانى ، وعنه أَخذ.