وخرجت عائشة إلى قتال أمير المؤمنين ع ومعلوم أنها عاصية بذلك (١).
أما أولا فلأن الله قد نهاها عن الخروج وأمرها بالاستقرار في
__________________
عائشة ، وهي تفردت من بينهن ، ونهتهن عن ذلك ، فادعاؤها بعد ذاك ، وتسليم أبي بكر حجرتها لها ، يكشف عن اتفاق حاصل بينها وبين أبيها.
والاستدلال بقوله تعالى : (وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ).
مردود بقوله في المطلقات : (لا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ) ، وبقوله : (لا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ) ، فلم يرد الله تعالى بإضافة البيوت اليهن إلا من حيث أنهن يسكن فيها ، لا من حيث أنهن يملكنها بلا شبهة ، وتمليكه (ص) لهن على سبيل الهبة والعطية لم تثبت ، ولم ينقل عن أحد ، كما صرح بذلك ابن أبي الحديد في شرح النهج ج ٤ ص ١٨٨ فلم يكن ادعاء عائشة للبيت إلا على سبيل الإرث ، وذلك يدل على اختلاف حديث أبيها : «نحن معاشر الأنبياء لا نورث ، ما تركناه صدقة» ، فان كان ذلك صحيحا تكن عائشة غاصبة ، لأن الكلام ليس في مجرد السكنى ، بل في إجراء جميع أحكام الملك ، كدفن عائشة أباها ، وصاحبه في بيت النبي (ص) بغير إذنه ، ولا إذن المسلمين جميعا ، وكمنعها عن دفن الحسن المجتبى (ع) عند جده (ص) ، وقد جاءت راكبة على بغل وحولها بنو أمية ومروان ، كما في تاريخ اليعقوبي ج ٢ ص ٢١٤ وشرح النهج ج ٤ ص ١٨٨ و ١٨٩
ولو فرضنا : أن دعواها الإرث صحيحة ، فهي إنما تكون مالكة للتسع من الثمن ، ومجازة بذلك المقدار فقط ، والباقي يكون لسائر أمهات المؤمنين ، ولمبضعته الصديقة ، فيكون تصرفها في الكل تصرفا عدوانيا ، كما فهم ذلك حبر الأمة ابن عباس ، لما رآها راكبة على بغل ، وحولها بنو أمية ، ومروان ، فقال لها :
تجملت تبغلت. ولو عشت تفيلت |
|
لك التسع من الثمن. وبالكل تملكت |
(دلائل الصدق ج ٤ ص ١٣١) وقد كان عمال فاطمة (ع) يشتغلون في فدك ، كما ذكره أهل السير ، والتاريخ ، والحديث.
(١) قال ابن أبي الحديد في شرح النهج ج ١ ص ٤ : أما أصحاب الجمل ، فهم عند أصحابنا هالكون كلهم إلا عائشة ، وطلحة ، والزبير ، فإنهم تابوا ، ولو لا التوبة لحكم لهم بالنار ، لإصرارهم على البغي.
أقول : لم يثبت عند أحد من المسلمين توبتهم ، واقتداؤهم بعلي حق الاقتداء ، والروايات في باب الإمارة والخلافة ، كما في صحيح مسلم ، والبخاري ، وغيرهما تدل على أن الخروج على الإمام حرام ، وإطاعته إطاعة النبي ، وعصيانه عصيان للنبي (ص) والعصيان لرسول الله مساوق للخروج عن صراط الحق.