فالأشاعرة لا يتمشى هذا على قواعدهم حيث جوزوا صدور القبائح عنه تعالى ومن جملتها الكذب فجاز الكذب في هذا القول تعالى عن ذلك علوا كبيرا.
__________________
ـ بل إمامة الفاسق الجائر كادت أن تكون من أصول مسألة الإمامة عند أهل السنة ، كما قال الباقلاني في (التمهيد ص ١٨٦) : «قال الجمهور من أهل الاثبات ، وأصحاب الحديث : لا ينخلع الإمام بفسقه وظلمه ، بغصب الأموال ، وضرب الأبشار ، وتناول النفوس المحرمة ، وتضييع الحقوق ، وتعطيل الحدود ، ولا يجب الخروج عليه ... إلى آخر ما قال».
وقريب منه ما قاله التفتازاني في شرح المقاصد ج ٢ ص ٧١ و ٢٧٢ ، وما قاله النووي في شرح مسلم ، هامش إرشاد الساري ج ٨ ص ٣٦. (وليراجع : الغدير ج ٧ ص ١٣٦ و ١٣٩).
وقد صرح مشاهير علماء أهل السنة ، في تفسير الآية الكريمة : (وَما جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْناكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ ، وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ وَنُخَوِّفُهُمْ فَما يَزِيدُهُمْ إِلَّا طُغْياناً كَبِيراً) (الإسراء : ٦٠) ـ صرحوا ـ : يقول الرسول الأعظم (ص) : أن المراد من قوله تعالى : (وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ) هو بنو أمية ، ذكره السيوطي في تفسيره ج ٤ ص ١٩١ ، والحلبي في سيرته ج ١ ص ٢١٧ ، وفي هامشه زيني دحلان في السيرة النبوية ج ١ ص ٢٢٦ ، والقرطبي في تفسيره ج ١٠ ص ١٨٦ ، والآلوسي في تفسيره ج ١٥ ص ١٠٧ ، وقال ما معناه : «ومعنى جعل ذلك فتنة للناس : جعله بلاء لهم ومختبرا ، وبذلك فسره ابن المسيب ولعل هذا الاختبار والابتلاء كان بالنسبة إلى خلفائهم بني أمية الذين فعلوا ما فعلوا ، وعدلوا عن سنن الحق ، وما عدلوا ... ثم عقبه بذكر من عد الخلفاء ممن كان من أعوانهم ، المرتكبين لأعظم الخبائث والمنكرات.
ويحتمل أن يكون المراد : ما جعلنا خلافتهم أو ما جعلناهم أنفسهم إلا فتنة ، وفيه من المبالغة في ذمهم ما لا يخفى ، وجعل ضمير «نخوفهم» على هذا لمن كان منهم له أولاد منهم وعم التعبير الشجرة : باعتبار أن المراد بها بنو أمية ، وقد لعنهم لما صدر منهم من استباحة الدماء المعصومة ، والفروج المحصنة ، وأخذ الأموال من غير حلها ، ومنع الحقوق عن أهلها ، وتبديل الأحكام ، والحكم بغير ما أنزل الله تبارك وتعالى على نبيه عليه الصلاة والسلام ، إلى غير ذلك من القبائح العظام ، والمخازي الجسام ، التي لا تكاد تنسى ، ما دامت الليالي والأيام.
وجاء لعنهم في القرآن ، إما على الخصوص كما زعمه الشيعة ، أو على العموم كما نقول ، فقد قال سبحانه وتعالى : (إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ ، لَعَنَهُمُ اللهُ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ) ـ