قلت : كان جبّارا متكبّرا ، فسلك عمّاله طريقه على قصر أيّامه.
قال : فالرّشيد؟
قلت : كان مواظبا على الجهاد والحجّ ، وعمّر القصور والبرك بطريق مكّة ، وبنى الثغور كأذنة ، وطرسوس ، والمصيصة ، وعين زربة ، والحدث ، ومرعش.
وعمّ النّاس إحسانه. وكان في أيّامه البرامكة وما اشتهر من كرمهم. وهو أوّل خليفة لعب بالصّوالجة ورمى النّشّاب في البرجاس ، ولعب الشّطرنج من بني العبّاس.
وكانت زوجته بنت عمّه أمّ جعفر زبيدة بنت جعفر بن المنصور من أكمل النّساء. وقفت الأوقاف وعملت المصانع والبرك ، وفعلت وفعلت.
قال : فالأمين؟
قلت : كان جوادا ، إلّا أنّه انهمك في لذّاته ففسدت الأمور.
قال : فالمأمون؟
قلت : غلب عليه الفضل بن سهل ، فاشتغل بالنّجوم ، وجالس العلماء.
وكان حليما جوادا.
قال : فالمعتصم؟
قلت : سلك طريقه ، وغلب عليه حبّ الفروسيّة ، والتّشبّه بملوك الأعاجم ، واشتغل بالغزو والفتوح.
قال : فالواثق؟
قلت : سلك طريقة أبيه.
قال : فالمتوكّل؟
قلت : خالف ما كان عليه المأمون والمعتصم والواثق من الاعتقادات ، ونهى عن الجدل والمناظرات في الأهواء ، وعاقب عليها. وأمر بقراءة الحديث وسماعه ، ونهى عن القول بخلق القرآن ، فأحبّه النّاس.
ثمّ سأل عن باقي الخلفاء ، وأنا أجيبه بما فيهم ، فقال لي : قد سمعت كلامك وكأنّي مشاهد القوم. وقام على أثري والحربة بيده ، فاستسلمت للقتل ، فعطف على دور الحرم (١).
__________________
(١) في مروج الذهب ٤ / ٣٢٠ «ثم عطف نحو دار الخدم».