والمكاشفة من
الملأ الأعلى ، أو مَن يجري الصَّواب على لسانه بلا قصد ، أو تكلّمه الملائكة بلا
نبوَّة ، أو مَن إذا رأى رأياً أو ظنَّ ظنّاً أصاب كأنَّه حُدِّث به ، وأُلقي في
روعه من عالم الملكوت فيظهر على نحو ما وقع له ، وهذه كرامةٌ يكرم الله بها مَن
شاء من صالح عباده ، وهذه منزلةٌ جليلةٌ من منازل الأولياء.
«فإن يكن من
أُمَّتي منهم أحدٌ فإنّه عمر» ، كأنَّه جعله في انقطاع قرينة في ذلك كأنَّه نبيّ ،
فلذلك أتى بلفظ «إن» بصورة الترديد. قال القاضي : ونظير هذا التعليق في الدلالة
على التأكيد والاختصاص قولك : إن كان لي صديقٌ فهو زيد ، فإنّ قائله لا يريد به
الشكَّ في صداقته ، بل المبالغة في أنَّ الصداقة مختصَّة به لا تتخطّاه إلى غيره.
وقال القرطبي :
قوله «فإن يكن» دليلٌ على قلّة وقوعه وندرته ، وعلى أنَّه ليس المراد بالمحدَّثين
المصيبون فيما يظنّون ، لأنَّه كثيرٌ في العلماء ، بل وفي العوام مَن يقوى حدسه
فتصحُّ إصابته فترتفع خصوصيَّة الخبر وخصوصيَّة عمر ، ومعنى الخبر قد تحقّق ووجد
في عمر قطعاً وإن كان النبيُّ صلىاللهعليهوآله لم يجزم بالوقوع ، وقد دلَّ على وقوعه لعمر أشياء كثيرة
كقصَّة : الجبل يا سارية! الجبل. وغيره ، وأصحّ ما يدلَّ على ذلك شهادة النبيّ صلىاللهعليهوآله له بذلك حيث قال : «إنّ الله جعل الحقَّ على لسان عمر
وقلبه» .
__________________