بلا تناهي الأجزاء ، فاضطر في قطع المسافة ولحوق السريع البطيء إلى الطفرة ، فاستمر التشنيع بطفرة النظام ، وتفكك رحى أهل الكلام.
فإن قيل : المذكور في كتب المعتزلة أن الجسم عند النظام مركب من اللون ، والطعم ، والرائحة ، ونحو ذلك من الأعراض.
قلنا : نعم إلا أن هذه عنده جواهر لا أعراض ، وتحقيق ذلك على ما لخصناه من كتبهم أن مثل الأكوان ، والاعتقادات ، والآلام ، واللذات ، وما أشبه ذلك أعراض لا دخل لها في حقيقة الجسم وفاقا ، وأما الألوان ، والأضواء ، والطعوم ، والروائح ، والأصوات والكيفيات الملموسة ، من الحرارة ، والبرودة ، وغيرها ، فعند النظام جواهر بل أجسام ، حتى صرح بأن كلّا من ذلك جسم لطيف من جواهر متجمعة ، ثم إن تلك الأجسام اللطيفة إذا اجتمعت وتداخلت صارت الجسم الكثيف الذي هو الجماد. وأما الروح فجسم لطيف هي (١) شيء واحد. والحيوان كله من جنس واحد ، وعند الجمهور كلها (٢) أعراض. إلا أن الجسم عند ضرار بن (٣) عمرو ، والحسين النجار (٤) مجموع من تلك الأعراض ، وعند الآخرين جواهر مجتمعة ، تحلها تلك الأعراض فما وقع في المواقف من أن الجسم ليس مجموع أعراض مجتمعة خلافا للنظام ، والنجار ليس على ما ينبغي ، والصواب مكان النظام ضرار على ما في سائر الكتب ويمكن أن يقال : الكلام فيما هو جسم اتفاقا. أعني المتحيز الذي له الأبعاد الثلاثة ، والنظام يجعله مجموع لون وطعم ورائحة ونحو
__________________
(١) في (ب) هو بدلا من (هي)
(٢) في (ب) كل ذلك بدلا من (كلها)
(٣) سبق الترجمة له في كلمة (وافية)
(٤) هو الحسين بن محمد بن عبد الله النجار الرازي أبو عبد الله : رأس الفرقة النجارية من المعتزلة ، وإليه نسبتها كان حائكا وقيل : كان يعمل الموازين من أهل قم وهو من متكلمي «المجبرة» وله مع النظام عدة مناظرات والنجارية يوافقون أهل السنة في مسألة القضاء والقدر واكتساب العباد وفي الوعد والوعيد وإمامة أبي بكر ، ويوافقون المعتزلة في نفي الصفات وخلق القرآن وفي الرؤية وهم ثلاث فرق «البرغوثية» و «الزعفرانية» و «المستدركة» له كتب منها البدل في الكلام ، والمخلوق ، واثبات الرسل ، والقضاء والقدر ، والثواب والعقاب وغير ذلك.
راجع فهرست ابن النديم الفن الثالث من المقالة الخامسة. والباب ٣ : ٢١٥ والامتاع والمؤانسة ١ : ٥٨ والمقريزي ٢٠ : ٣٥٠