بأن يكون جسمين مثلا. فإما أن يحيط أحدهما بالآخر أولا. فإن أحاط كان هو المحدد ، إذ إليه الانتهاء دون المحاط ، وإن لم يحط كان كل منهما في جهة من الآخر ، فيكون متأخرا عن الجهة ، أو مقارنا لها سابقا عليها ، ليصلح محددا لها ، وأيضا كل منهما. إنما يحدد جهة القرب منه دون البعد فإنه غير متحدد. والمطلوب إثبات ما يحدد الجهتين المتقابلتين معا (١) وفيه نظر لجواز أن يكون الجسماني بحيث يكون غاية القرب من كل منهما ، غاية البعد من الآخر ، فيتحدد بهما الجهتان ، فلذا كان المختار هو الوجه الأول. وأما وجوب كونه كريا فلأنه بسيط (٢) يمتنع زواله عن مقتضى طبعه أعني الاستدارة ، إذ لو كان مركبا أو بسيطا زال عن استدارته لزم جواز الحركة المستقيمة على أجزائه وهو محال ضرورة أنها لا تكون إلا من جهة إلى جهة ، فتكون الجهة قبله أو معه ، فلا تكون متحددة به ، وجه اللزوم ، أما في البسيط الزائل عن الاستدارة فظاهر ، وأما في المركب فلأن تألفه لا يتصور إلا بحركة بعض الأجزاء إلى البعض ، ولأن من لوازمه جواز الانحلال ، لأن كل واحد من بسائطه يلاقي بأحد طرفيه شيئا غير ما يلاقيه بالطرف الآخر مع تساويهما في الحقيقة ، فيجوز أن يلاقي ذلك الشيء بالطرف الآخر ، وذلك بالحركة من جهة إلى جهة ، وفي هذا نظر لأنه إنما يستدعي تقدم الجهة على حركة الأجزاء لا على نفس المركب (٣) ، وبهذا يظهر أن الاستدلال بهذا الوجه على بساطة المحدد ليس بتام.
__________________
(١) سقط من (ب) لفظ (معا)
(٢) سقط من (ب) لفظ (بسيط).
(٣) المركب : هو المؤلف من أجزاء كثيرة ، ويقابله البسيط كالجسم ، فإنه إذا كان مؤلفا من أجزاء كثيرة كان مركبا ، وإذا لم يكن كذلك كان بسيطا.
واللفظ المركب أو المؤلف عند المنطقيين : هو الذي يدل على معنى وله أجزاء منها يلتئم. مسموعه ، ومن معانيها يلتئم معنى الجملة ، كقولنا : الانسان يمشي أو رامي الحجارة. (راجع النجاة ص ٧ لابن سينا)