أسرته :
«ابن الأثير» اسم يعرفه كل من اتصل بالمكتبة العربية ؛ محدَّثا أصوليا ، أو مؤرِّخا نسّابة ، أو كاتبا بليغا. ولم يعرف لرب الأسرة عناية بالعلم أو تصنيف فيه ، ولكنه أنجب عباقرة ثلاثة ، كان لهم فى تاريخ الثقافة العربية شأنٌ أىّ شأن. لقد اندفع كل منهم فى الطريق الذى اختاره يشكّل معالم نهضتنا الفكرية ويُثرى جوانبها بإنتاجه الخِصب الوفير.
وقد اختار مجد الدين الحديث والفقه ، وآثر عزّ الدين التاريخ والأنساب ، بينما مال ضياء الدين إلى الكتابة والبيان.
وعز الدين هو أبو الحسن علىّ ، ولد بجزيرة ابن عمر فى رابع جمادى الأولى سنة (٥٥٥ ه). وتوفى فى شعبان سنة (٦٣٠ ه) بالموصل (١). قال ابن خلّكان : «كان إماما فى حفظ الحديث ومعرفته وما يتعلق به ، وحافظا للتواريخ المتقدمة والمتأخرة ، وخبيرا بأنساب العرب وأيامهم ووقائعهم وأخبارهم» وهو صاحب «الكامل» فى التاريخ ، و «اللباب فى تهذيب الأنساب» و «أسد الغابة فى معرفة الصحابة».
وضياء الدين هو أبو الفتح نصر الله. ولد بالجزيرة أيضا فى يوم الخميس العشرين من شعبان سنة (٥٥٨ ه) وتوفى يوم الاثنين التاسع والعشرين من شهر ربيع الآخر سنة (٦٣٧ ه) ببغداد (٢).
وهو الكاتب البليغ صاحب «المثل السائر فى أدب الكاتب والشاعر» قال ابن العماد : «جمع فيه فأوعى ، ولم يترك شيئا يتعلق بفن الكتابة إلا ذكره» (٣).
علمه وثقافته :
قال مجد الدين فى مقدمة كتابه (جامع الأصول من أحاديث الرسول) : «ما زلت منذ رَبْعان الشباب وحداثة السنّ مشغوفا بطلب العلم ومجالسة أهله ، والتشبه بهم حسب الإمكان ، وذلك من فضل
__________________
(١) وفيات الأعيان ٣ / ٣٤.
(٢) وفيات الأعيان ٥ / ٣٢.
(٣) شذرات الذهب ٥ / ١٨٨.