مأرب
كورة بين حضر موت وصنعاء ، لم يبق بها عامرا إلّا ثلاث قرى يسمّونها الدروب ، كلّ قرية منسوبة إلى قبيلة من اليمن ، وهم يزرعونها على الماء الذي جاء من ناحية السدّ ، يسقون أرضهم سقية واحدة ويزرعون عليه ثلاث مرّات في كلّ عام ، فيكون بين زرع الشعير وحصاده في ذلك الموضع نحو شهرين.
وكان بها سيل العرم الذي جرى ذكره في سبأ.
ذكروا أن مياه جبالها تجتمع هناك وسيول كثيرة ، ولها مخرج واحد ؛ فالأوائل قد سدّوا ذلك المخرج بسدّ محكم ، وجعلوا لها مثاعب يأخذون منها قدر الحاجة ، فاجتمعت المياه بطول الزمان وصار بحرا عظيما خارج السدّ ، وداخله عمارات وبساتين ومزارع ، فسلّط الله تعالى الجرذ على السدّ يحفره بأنيابه ويقلعه بمخاليبه ، حتى سدّ الوادي الذي نحو البحر وفتح ممّا يلي السدّ ، فغرقت البلاد حتى لم يبق إلّا ما كان على رؤوس الجبال ، وذهبت الحدائق والجنان والضياع والدور والقصور ، وجاء السيل بالرمل فطمّها ، وهي على ذلك إلى اليوم ، كما أخبر الله تعالى ، فجعلهم الله أحاديث ومزّقهم كلّ ممزّق.
والعرم المسنّاة بنتها ملوك اليمن بالصخر والقار حاجزا بين السيول والضياع ، ففجرته فأرة ليكون أظهر في الأعجوبة ؛ قال الأعشى :
ففي ذلك للمؤتسي أسوة |
|
ومأرب عفّى عليها العرم |
رخام بنته لهم حمير |
|
إذا ما نأى ماؤهم لم يرم |
فأروى الحروث وأعنابها |
|
على سعة ماؤهم إن قسم |
فكانوا بذلكم حقبة |
|
فمال بهم جارف منهدم |