ويحكّ جبهته حكّا شديدا ، فيستلذّ الجرو بذلك ، همّ يضع النشيل وسط رأسه ويأخذ مطرقة من حديد قويّة ، ويضرب بها على النشيل بأتمّ قوّة ثلاث ضربات ، فلا يحسّ بالضربة الأولى وبالثانية ، والثالثة يضطرب اضطرابا شديدا ، فربّما صادف بذنبه شيئا من المراكب فيعطبها ، ولا يزال يضطرب حتى يأخذه اللغوب.
ثمّ يتعاون ركاب المراكب على جذبه حتى يصير إلى الساحل. وربّما أحسّت أمّ الجرو باضطرابه فتتبعهم ، فيستعدّون بالثوم الكثير المدقوق ويخوّضون به الماء ، فإذا شمّت رائحة الثوم استبعثتها ورجعت القهقرى إلى خلف ، ثمّ يقطعون لحم الجرو ويملّحونه. ولحمه أبيض كالثلج وجلده أسود كالنقس.
باكويه
مدينة بنواحي دربند بقرب شروان. بها عين نفط عظيمة تبلغ قبالتها في كلّ يوم ألف درهم ، وإلى جانبها عين أخرى تسيل بنفط أبيض كدهن الزئبق ، لا تنقطع نهارا ولا ليلا ، تبلغ قبالتها مثل الأولى.
من عجائبها ما ذكر أبو حامد الأندلسي أن بها أرضا ليس في ترابها حرارة كثيرة يجدها الإنسان ، والناس يصيدون الغزلان وغيرها ويقطعون لحمها ويجعلونه في جلودها مع الملح وما شاؤوا من الأبازير ، ويأخذون أنبوبة من القصب الغليظ النافذ ، ويشدّون القصب على جلد الصيد ويدفنونه تحت ذلك التراب ، ويتركون القصب خارجا فتخرج مائية اللحم كلّها من القصبة ، فإذا نفدت المائية علموا أن اللحم قد نضج فيخرجونه وقد تهرّأ.
وحكى بعض التجّار انّه رأى بها نارا لا تزال تضطرم ولا تنطفىء لأن موضعها معدن الكبريت. وحكى أبو حامد الأندلسي أن بقرب باكويه جبلا أسود في سنامه شقّ طويل ، يخرج منه الماء ويخرج مع ذلك الماء مثل صناج الدانق من النحاس وأكبر أو أصغر ، يحملها الناس إلى الآفاق للتعجّب.