فكلّ على ذاك لاقى الرّدى |
|
فبادوا جميعا وهم خامدونا |
وأمّا المدينة فطيّبة كثيرة الخيرات وافرة الغلّات. في أهلها من الرفق ولين الجانب وحسن المعاشرة. وكانت كرسي ملك بني سلجوق لهم بها آثار خيرات ؛ حكى صاحب عجائب الأخبار انّه كان بمرو بيت كبير ، ارتفاعه قدر قامة ، وكان محمولا على صور أربع من الخشب في جوانبه الأربعة ، وكانت الصور تمثال رجلين وامرأتين ، فزعم قوم أن ذلك البيت بيت ملكهم ، فنقضوه وانتفعوا بأخشابه ، فأصاب مرو وقراها جوائح وآفات وقحط متواتر ، فعلموا أن ذلك البيت كان طلسما لدفع الآفات. وليس لهذه المدينة عيب إلّا ما يعتري أهلها من العرق المديني ، فإنّهم في شدّة عظيمة منه ، قلّ ما ينجو منهم أحد في كلّ عام.
ينسب إليها عبد الله بن المبارك الإمام العالم العابد ؛ حكي انّه كان بمرو قاض اسمه نوح بن مريم ، وكان رئيسها أيضا ، وكانت له بنت ذات جمال خطبها جماعة من الأعيان والأكابر ، وكان له غلام هندي ينطر بستانه ، فذهب القاضي يوما إلى البستان وطلب من غلامه شيئا من العنب ، فأتى بعنب حامض فقال له :هات عنبا حلوا! فأتى بحامض فقال له القاضي : ويحك! ما تعرف الحلو من الحامض؟ فقال : بلى ولكنّك أمرتني بحفظها وما أمرتني بأكلها ، ومن لم يأكل لم يعرف. فتعجّب القاضي من كلامه وقال : حفظ الله عليك أمانتك! وزوّج ابنته منه فولدت عبد الله بن المبارك المشهور بالعلم والورع. كان يحجّ في سنة ويغزو في أخرى.
وحكي انّه كان معاصرا لفضيل بن عياض ، وفضيل قد جاور مكّة وواظب على العبادة بمكّة والمدينة ، فقال عبد الله بن المبارك :
يا عابد الحرمين لو أبصرتنا |
|
لعلمت أنّك بالعبادة تلعب |
من كان يخضب خدّه بدمائه |
|
فنحورنا بدمائنا تتخضّب |