فلمّا كان من القابل قعد المنذر ينتظر حنظلة فأبطأ ، فقدّم شريك ليقتل فلم يشعر إلّا براكب قد طلع ، فإذا هو حنظلة قد تكفّن وتحنّط وجاء بنادبته. فلمّا رآه المنذر عجب من وفائه فقال : ما حملك على قتل نفسك؟ فقال : إن لي دينا يمنعني من الغدر! قال له : ما دينك؟ قال : النصرانيّة! فاستحسن ذلك منه وأطلقهما معا ، وأطلق تلك السنّة.
وكان المنذر بنى الغريين على مثال ما بناهما ملوك مصر ، وقد مرّ ذكرهما في موضعهما. ونظر معن بن زائدة إلى الغريين وقد خرب أحدهما فقال :
لو أنّ شيئا مقيما لا يبيد على |
|
طول الزّمان لما باد الغريّان |
قد خرّب الدّهر بالتّصريف بينهما |
|
فكلّ إلف إلى بين وهجران! |
غزنة
ولاية واسعة في طرف خراسان بينها وبين بلاد الهند ، مخصوصة بصحة الهواء وعذوبة الماء وجودة التربة ، وهي جبليّة شماليّة بها خيرات واسعة إلّا أن البرد بها شديد جدّا.
ومن عجائبها العقبة المشهورة بها ، فإنّها إذا قطعها القاطع وقع في أرض دفئة شديدة الحرّ ، ومن هذا الجانب برد كالزمهرير ، ومن خواصّها أن الأعمار بها طويلة والأمراض قليلة ، وما ظنّك بأرض تنبت الذهب ولا تولد الحيّات والعقارب والحشرات المؤذية؟ وأكثر أهلها أجلاد وأنجاد.
وعجائبها أمر الصفّارين يعقوب وعمرو وظاهر وعليّ. كان يعقوب غلام صفّار وعمرو مكاريا ، صاروا ملوكا عظماء واستولوا على بلاد فارس وكرمان وسجستان وخراسان وبعض العراق ، يقال لهم بنو الليث الصفّار.
وبها تفّاح في غاية الحسن يقال له الأميري ، لم يوجد مثله في شيء من البلاد ، قال أبو منصور الثعالبي :