ابن عليّ بن إسحق ، لم ير وزير أرفع منه قدرا ولا أكثر منه خيرا ولا أثقب منه رأيا. وكان مؤيّدا من عند الله. حكي أن قيصر الروم جاء لقتال السلطان الب أرسلان فقال السلطان لنظام الملك : ماذا ترى؟ يقولون عسكره أكثر من عسكرنا! فقال نظام الملك : ليس النصر من الكثرة إنّما النصر من عند الله ، نحن نتوكّل على الله ونلتقيه يوم الجمعة وقت تقول الخطباء على المنابر : اللهمّ انصر جيوش المسلمين! ففعلوا ذلك فنصرهم الله.
وحكي أن السلطان الب أرسلان دخل مدينة نيسابور ، فاجتاز على باب مسجد فرأى جمعا من الفقهاء على باب ذلك المسجد في ثياب رثّة ، لا خدموا للسلطان ولا دعوا له ، فسأل السلطان نظام الملك عنهم فقال : هؤلاء طلبة العلم وهم أشرف الناس نفسا ، لا حظّ لهم من الدنيا ، ويشهد زيّهم على فقرهم.
فأحسّ بأن قلب السلطان لان لهم ، فعند ذلك قال : لو أذن السلطان بنيت لهم موضعا وأجريت لهم رزقا ليشتغلوا بطلب العلم ودعاء دولة السلطان! فأذن له ، فأمر نظام الملك ببناء المدارس في جميع مملكة السلطان ، وأن يصرف عشر مال السلطان الذي هو مختصّ بالوزير في بناء المدارس ، وهو أوّل من سنّ هذه السنّة الحسنة.
وحكى نظام الملك في كتابه سير الملوك أن بعض المفسدين قال للسلطان ملكشاه : ان في معيشك أربعمائة ألف فارس ، وأمر المملكة يتمشّى بسبعين ألفا ، فإن سبعين ألفا لم يغلبوا من القلّة ، فلو أسقطتهم امتلأت الخزانة من المال! ومال السلطان إلى قوله ، فلمّا عرفت ذلك قلت للسلطان : هذا قول من أراد اثارة الفتنة وفساد المملكة! إن ملكك خراسان وما وراء النهر إلى كاشغر وبلاد غور وخوارزم واللان وارّان وآذربيجان ، والجبال والعراق وفارس وكرمان والشام وارمن وأنطاكية ، وانّها إنّما تبقى محفوظة بهذه العساكر ، ولم يذكر أن دولة الخلفاء العظام والملوك الكبار قد خلت من خروج خارجي وظهور مخالف ، وهذه الدولة المباركة بسعادة السلطان سلمت عن الكدورات ،