قالوا : من علم الكلام فإنّه دأبنا. قال : أي مسألة تريدون؟ اختاروا مسألة شرع فيها وقررها بأدنى زمان ، وكان هناك من العوامّ خلق كثير وعوامّ خوارزم متكلّمة كلّهم عرفوا أن فخر الدين قرر الدليل وغلبهم كلّهم. فأراد مرتّب القوم أن يخفي ذلك محافظة لمحفل الرئيس فقال : قد طال الوقت وكثرت الفوائد. اليوم نقتصر على هذا ، وتمامه في مجلس آخر في حضرة مولانا. فقال فخر الدين : أيّها الخوارزمي إن مولانا لا يقوم من هذا المجلس إلّا كافرا أو فاسقا ، لأني ألزمته الحكم بالحجّة ، فإن لم يعتقد فهو كافر على زعمه ، وان اعتقد ولم يعترف به فهو فاسق على زعمه.
وحكي انّه ورد بخارى ، وسمع أن أحدا من أهل بخارى ذكر اشكالات على إشارات أبي عليّ ، فلمّا ورد فخر الدين بخارى أوصى لأصحابه أن لا يعرضوا ذلك على فخر الدين ، فقال فخر الدين لأحد من أصحاب الرجل : اغزني ليلة واحدة. ففعل فضبطها كلّها في ليلة واحدة ، وقام وذهب إليه أوّل النهار وقال له : سمعت أنّك أوردت الاشكالات على أبي عليّ ، فمعنى كلام أبي علي هذا كيف تورد عليه الاشكال حتى أتى على جميعها ، ثمّ قال له : أما تتقي الله فهو كلام الرجل ما تعرف وتفسرها من عندك تفسيرا فاسدا وتورد عليه الاشكال؟ فقال الرجل : أظنّ انّك الفخر الرازي! فقال : ما أخطأت في هذا الظنّ! وقام وخرج.
وحكي انّه كان يعظ على المنبر بخوارزم وعوامّ خوارزم كلّهم متكلّمة يبحثون بحثا صحيحا ، وكان يأتي بمسألة مختلفة بين المعتزلة والأشاعرة ، ثمّ يقررها تقريرا تامّا ويقول : أئمّة المعتزلة لا يقدرون على مثل هذا التقرير. ويقول لهم :أما هذا تقرير حسن؟ يقولون : نعم. فيقول : اسمعوا إبطاله! فيبطله بأدلّة أقوى منها ، فالمعتزلة عزموا على ترك الاعتزال لأن الواجب عليهم اتباع الدليل ، فقال لهم مشايخهم : لا تخالفوا مذهبكم فإن هذا رجل أعطاه الله في التقرير قوّة عجيبة ، فإن هذا لقوته. لا لضعف مذهبكم.