أشجار كثيرة فانتهيت إليها ، فإذا بها من كلّ الفواكه ، وتحتها رجال كأحسن ما يكون صورة ، فقعدت عندهم لا أفهم كلامهم ولا يفهمون كلامي ، فبينا أنا جالس معهم إذ وضع أحدهم يده على عاتقي ، فإذا هو على رقبتي ولوى رجليه عليّ وأنهضني ، فجعلت أعالجه لأطرحه فخمشني في وجهي ، فجعلت أدور به على الأشجار وهو يقطف ثمرها يأكل ويرمي إلى أصحابه وهم يضحكون ، فبينا أنا أسير به في وسط الأشجار إذ أصاب عينيه عيدان الأشجار فعمي ، فعمدت إلى شيء من العنب وأتيت نقرة في صخرة عصرته فيها ، ثمّ أشرت إليه أن اكرع فكرع منها ، فتحلّلت رجلاه فرميت به ، فأثر الخموش من ذلك في وجهي.
جزيرة القصار
حدّث يعقوب بن إسحاق السرّاج قال : رأيت رجلا من أهل رومية قال : خرجت في مركب فانكسر وبقيت على لوح ، فألقتني الريح إلى بعض الجزائر ، فوصلت بها إلى مدينة فيها أناس قاماتهم قدر ذراع وأكثرهم عور ، فاجتمع عليّ جماعة وساقوني إلى ملكهم فأمر بحبسي ، فانتهوا بي إلى شيء مثل قفص الطير ، أدخلوني فيه فقمت فكسرته وصرت بينهم ، فآمنوني فكنت أعيش فيهم.
فإذا في بعض الأيّام رأيتهم يستعدّون للقتال ، فسألتهم عن ذلك فأومأوا إلى عدوّ لهم يأتيهم في هذا الوقت ، فلم تلبث أن طلعت عليهم عصابة من الغرانيق ، وكان عورهم من نقر الغرانيق أعينهم ، فأخذت عصا وشددت على الغرانيق فطارت ومشت ، فأكرموني بعد ذلك إلى أن وجدت جذعين وشددتهما بلحاء الشجر وركبتهما ، فرمتني الريح إلى رومية.
وقد حكى أرسطاطاليس في كتاب الحيوان تصحيح ما ذكر وقال : إن الغرانيق تنتقل من خراسان إلى ما بعد مصر ، حيث يسيل ماء النيل ، وهناك تقاتل رجالا قاماتهم قدر ذراع.