قال : لأبنينّ لكم بيتا خيرا منه! فبنى بيتا من الرخام الأبيض والأحمر والأصفر والأسود ، وحلّاه بالذهب والفضّة ورصّعه بالجواهر ، وجعل أبوابه من صفائح من ذهب ، وجعل للبيت سدنة ودخنه بالمندليّ ، وأمر الناس بحجّه وسمّاه القليّس ، وكتب إلى النجاشي : إني بنيت لك كنيسة ما لأحد من الملوك مثلها! أريد أصرف إليه حجّ العرب. فسمع بذلك رجل من بني مالك بن كنانة ، انتهز الفرصة حتى وجدها خالية ، فقعد فيها ولطخها بالنجاسة.
فلّا عرف ابرهة ذلك اغتاظ وآلى أن يمشي إلى مكّة ، ويخرّب الكعبة غيظا على العرب. فجمع عساكره من الحبشة ومعه اثنا عشر فيلا ، فلمّا دنا من مكّة أمر أصحابه بالتأهّب والغارة ، فأصابوا مائتي إبل لعبد المطّلب ، جدّ رسول الله ، صلّى الله عليه وسلّم. وبعث أبرهة رسولا إلى مكّة يقول : إني ما جئت لقتالكم إلّا أن تقاتلوني! وإنّما جئت لخراب هذا البيت والانصراف عنكم! فقال عبد المطّلب ، وهو رئيس مكّة إذ ذاك : ما لنا قوّة قتالك وللبيت ربّ يحفظه ، هو بيت الله ومبنى خليله! فذهب عبد المطّلب إليه ، فقيل له : إنّه صاحب عير مكّة وسيّد قريش ، فأدخله ، وكان عبد المطّلب رجلا وسيما جسيما ، فلمّا رآه أكرمه فقال له الترجمان : الملك يقول ما حاجتك؟ فقال : حاجتي مائتا بعير أصابها. فقال ابرهة للترجمان : قد كنت أعجبتني حين رأيتك ، وقد زهدت فيك لأني جئت لهدم بيت هو دينك ودين آبائك! جئت ما تكلّمت فيه وتكلّمت في الإبل! فقال عبد المطّلب : أنا ربّ هذه العير ، وللبيت ربّ سيمنعه! فردّ إليه إبله ، فعاد عبد المطّلب وأخبر القوم بالحال ، فهربوا وتفرّقوا في شعاب الجبال خوفا فأتى عبد المطّلب الكعبة وأخذ بحلقة الباب وقال :
جرّوا جميع بلادهم |
|
والفيل كي يسبوا عيالك! |
عمدوا حماك بجهلهم |
|
كيدا وما رقبوا حلالك |
لاهمّ إنّ المرء يم |
|
نع حلّه فامنع حلالك |