عليه. وعند ذلك وافاه الموكلون ببناء المدينة وأخبروه بالفراغ منها ، فعزم على الخروج إليها في جنوده ، وخرج في ثلاثمائة ألف رجل من أهل بيته ، وخلّف على ملكه مرثد بن شدّاد ابنه ، وكان مرثد ، فيما يقال ، مؤمنا يهود ، عليه السلام. فلمّا انتهى شدّاد إلى قرب المدينة بمرحلة جاءت صيحة من السماء ، فمات هو وأصحابه وجميع من كان في أمر المدينة من القهارمة والصنّاع والفعلة ، وبقيت لا أنيس بها فأخفاها الله ، لم يدخلها بعد ذلك إلّا رجل واحد في أيّام معاوية يقال له عبد الله بن قلابة ، فإنّه ذكر في قصة طويلة ملخّصها أنّه خرج من صنعاء في طلب إبل ضلّت ، فأفضى به السير إلى مدينة ، صفتها ما ذكرنا ، فأخذ منها شيئا من المسك والكافور وشيئا من الياقوت ، وقصد الشام وأخبر معاوية بالمدينة ، وعرض عليه ما أخذه من الجواهر ، وكانت قد تغيّرت بطول الزمان. فأحضر معاوية كعب الأحبار وسأله عن ذلك فقال : هذا إرم ذات العماد التي ذكرها الله تعالى في كتابه ، بناها شداد بن عاد ، لا سبيل إلى دخولها ولا يدخلها إلّا رجل واحد صفته كذا وكذا. وكانت تلك الصفة صفة عبد الله ابن قلابة ؛ فقال له معاوية : أمّا أنت يا عبد الله فأحسنت النصح ، ولكن لا سبيل لها. وأمر له بجائزة.
وحكي أنّهم عرفوا قبر شدّاد بن عاد بحضرموت ، وذلك أنّهم وقعوا في حفيرة ، وهي بيت في جبل منقورة مائة ذراع في أربعين ذراعا ، وفي صدره سرير عظيم من ذهب ، عليه رجل عظيم الجسم ، وعند رأسه لوح فيه مكتوب :
اعتبر يا أيّها المغرور بالعمر المديد |
|
أنا شدّاد بن عاد صاحب القصر المشيد |
وأخو القوّة والبأساء والملك الحسيد |
|
دان أهل الأرض طرّا لي من خوف وعيدي |
فأتى هود وكنّا في ضلال قبل هود |